عبدالله المزهر

قلة المعتبرين تريح المؤرخين!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 19 فبراير 2018

Mon - 19 Feb 2018

أظن ـ والله أعلم ـ أن الاستنتاج الأهم من مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي استضافته الكويت مؤخرا هو أن الحرب ليست أكثر ضررا من الفساد. فالعراق الغني بكل شيء لم ترهقه الحروب ولا القتال بالقدر الذي أرهقه الفساد. وكان يمكن أن يواجه كل حروبه ومشاكله وأن يبني ما دمرته الحرب دون أن يحتاج إلى مؤتمر لإعادة الإعمار، وكأنه دولة بلا موارد ولا قدرات.

الفساد وباء حقيقي، تبدو الحرب مقارنة به أمرا سهلا يمكن التعافي من آثارها بسهولة، ولا أقول بالطبع أن الحرب شيء جميل، فهي من أقبح الوسائل التي اخترعتها الكائنات البشرية لحل مشاكلها. لكني أقول إن الفساد لا يقل عنها قبحا وضررا.

كان محمد مهدي الجواهري ينطق «العُراق» ـ بضم العين ـ وكان يبرر ذلك بقوله: لأنه يعز علي كسر عين العراق. ومع كل الحماقات التي فعلها حكام العراق ومع كل الحروب التي خاضها العراق، سواء كانت حروبا عادلة أو ظالمة، لم تكسر عين العراق، لكن الفساد وحده فعل ذلك، وجعل هذا البلد العظيم ينتظر الإعمار من الدول. ولم يكن العراق ليحتاج كل هذا لو أنه رزق بحكومات حقيقة همها العراق وإنسان العراق، فتبددت موارده العظيمة بين مرتزقة الميليشيات وبين جيوب الفاسدين الذين كان حكم العراق أكبر منهم بكثير.

الأمر الآخر الذي يمكن رؤيته في هذا المؤتمر، هو أن إيران لم تدفع فلسا واحدا، وهذا تصرف منطقي لأنه سيكون أمرا عبثيا وغير مفهوم لو دفعت أو حتى أيدت فكرة إعادة إعمار العراق. لأن خسارتها ستكون مضاعفة، فهي دفعت للتخريب والإفساد ونزع هوية وشكل وسيادة العراق، ومن الغباء أن تدفع أيضا لما يفترض أنه عكس ما تريده.

والحق أن إيران مبدعة الطريق الذي تسلكه، وهي عرفت إمكاناتها وقدراتها وتفرغت لعمل الشيء الذي تحسنه. لا يمكن أن تستطيع دولة في العالم أن تفسد وتخرب كما تستطيع إيران أن تفعل. والإبداع الإيراني كان في أنها تفعل كل ذلك بأيدي أهل البلاد التي تريد أن تحولها إلى خرابة وتحول حياة أهلها إلى جحيم.

ومصدر قوة إيران الذي تعتمد عليه كثيرا هو «غباء» الأتباع، والذي يبدو أنه غباء خلاق لا ينضب، معرفة نوايا وأهداف إيران لا تحتاج إلى كثير من التدبر والذكاء والفطنة، ولا يحتاج الإنسان ـ وحتى كثير من الحيوانات ـ إلى بصيرة حادة لكي يدرك كيف انتهى المطاف بكل بلد دست إيران أنفها فيه. لكن كل هذه الشواهد لا قيمة لها عند الأغبياء، سلاح إيران الأخطر.

وعلى أي حال..

الذين يتعلمون من أخطائهم ومن أخطاء غيرهم قلة لا تكاد تذكر في هذا الكوكب البائس المسكين، ولذلك فإن التاريخ لا يتعب، يطل بذات الهيئة في كل مرة دون أن يغير أي شيء، ربما لأنه أدرك أن البشر لا يريدون أو لا يستحقون شيئا جديدا. تتغير الأسماء ولا تتغير الأحداث ولن تتغير النتائج!

@agrni