أحمد صالح حلبي

أمير البيان.. ورحلة الحج

الخميس - 01 فبراير 2018

Thu - 01 Feb 2018

قبل أن يبدأ أمير البيان شكيب أرسلان رحلته لأداء فريضة الحج منطلقا من لوزان بسويسرا، كانت مخيلته مليئة بأحداث مؤلمة ومواقف مؤسفة تتعرض لها قوافل الحجيج، فعاش بين مصدق لأقوال، وباحث عن حقيقة، حتى حانت الفرصة لأداء فريضة الحج، فانطلق من لوزان بسويسرا متجها صوب بور سعيد بمصر، ومنها إلى السويس مبحرا إلى جدة، التي وصلها بعد أربعة أيام وتحديدا يوم السبت 2 ذي الحجة 1347هـ الموافق 12 مايو 1929، على متن سفينة تنقل عددا من الحجاج.

وبين صور سلبية رسمت، وأخرى إيجابية عاشها أثناء أدائه لفريضة الحج جاء صدور كتابه الموسوم بــ «الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف»، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1350، وأهداه إلى الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ـ رحمه الله ـ تقديرا لما قدمه للحجيج من بسط للأمن وانتشار للأمان، وعدل وإنصاف للجميع، ناقلا الكثير من الحقائق الغائبة، ومتناولا الحديث عن الحج من كافة جوانبه وصفا وتعليقا، كما تناول العاملين في خدمات الحجاج، وتحدث عن المطوفين وخدماتهم، قائلا «إن في الحجاز الشريف طائفتين لا بد لقاصد الحجاز أن يكون له علاقة معهما، ولا يكاد يستغني أحد عنهما، وهما المطوفون بمكة، والمزورون بالمدينة».

ويواصل قائلا «وإني لأعلم أن كثيرا من الناس يطعنون في المطوفين والمزورين بل يبالغون في ذمهم أو في ذم العدد الكثير منهم، ويقولون إنهم ينهبون الحاج ويجورون عليهم ويتقاضونهم من الأجرة أضعاف حقوقهم، وقد يخدعونهم ويغشونهم ويرتكبون في أمورهم كل محرم، ولقد كنت أسمع هذه القصص قبل أن حججت وقبل أن عرفت مكة والمطوفين، وقبل أن زرت المدينة وعرفت المزورين، والمثل السائر عندنا يقول: الله يساعد من يتكلم فيه الناس بالمليح فكيف بالقبيح؟

فالمطوفون والمزورون ولا سيما الفريق الأول منهم قد وقعوا في ألسنة الناس من قديم الزمان، ويجوز أن يكون بعضهم غير بريء بالمرة من هذه التهم أو من بعضها، ويجوز أن تكون حصلت وقائع في وقت من الأوقات، وغير معقول أن طائفة كهذه تعد بالمئات وتتجاوز المئات تكون بأجمعها من الفرق الناجية، ومن ذوي الأخلاق الفاضلة، وأنه لا يجوز أن يصدر عنها عمل سيئ ولا تلوث بطاغية أو خديعة».

ويوضح أرسلان أن «المطوف هو الذي يكفل جميع حاجات الحاج وأغراضه منذ أن يطأ رصيف جدة إلى أن يطأ سلم الباخرة قافلا، فيحمله إلى مكة ثم عرفة، ثم إلى المزدلفة، ثم إلى منى، ثم يعود به إلى مكة، وإذا أراد الزيارة هيأ له جميع أسباب السفر إلى المدينة، وهناك سلمه إلى المزور الذي هو صاحب هذه المصلحة في المدينة لا يتجاوز عليه غيره فيها.

وإذا سأل الحاج عن أي شيء من الفلك إلى الذرة فلا بد من أن يجيبه المطوف عليه، وإذا احتاج إلى أي شيء من الجمل إلى البرغوث فلا بد من أن يأتيه به، وإذا وقعت له واقعة مع إنسان تقتضي مراجعة الحكومة فعلى المطوف أن يرافق الحاج إلى صاحب الشرطة ويترجم له عنده».

ووصف أمير البيان لحال المطوفين وخدماتهم قبل أكثر من ثمانين عاما، ما زال أحفادهم يسيرون على نهجه حتى وإن اختلفت النظم والإجراءات، فالمطوف هو الحائط الذي يستند عليه الحاج كلما رغب بمعرفة شيء أو حلت به معضلة.

[email protected]