خضر عطاف المعيدي

الشيخ كمثال وليس كتمثال!

السبت - 27 يناير 2018

Sat - 27 Jan 2018

لست من المشجعين لفئة من المشايخ أبدا مثل ما يفعل بعض أفراد المجتمع، وكأنهم بصدد دوري للمحترفين في كرة القدم، وليس بصدد مفاهيم فقهية، ولم استند فكريا لأحدهم وفق ما يصب في الأذهان، ليس تعاليا وإنما وضعت في قرارة نفسي أن العلم ليس حصرا على فئة من الناس، والمعرفة ليست مرهونة ببقعة جغرافية أو مكانية، وإنما وفق المعرفة نفسها ومدى حجيتها، والله تعالى قد حث على ذلك حينما قال (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق). ومما أفقد كثيرا من أفراد المجتمع هويتهم الارتهان بقيود شخص لذاته (شيخ)، فمتى ضاع هذا الشيخ ضاع من تبعه، وهذا هو مربط الفرس. جعلك الله حرا طليقا فلماذا قيدت نفسك بعالم أو شخص ليكون مدرستك ومن ثم جعلت من المدارس الأخرى مكانا للسخرية والنقد وأضعت عمرك مدافعا عن ذلك.

كثير هم الذين تقلدوا مسمى (شيخ) في مجتمعنا، لكن يندر منهم من يمتلك الشجاعة والصبر والجلد على أذى الناس، خصوصا عندما ينتقل النقد من المعرفة والفكرة إلى ذات الشخص، فيكون ذلك الشخص في قمة صبره ورفعته العلمية من أن يتنزل إلى حضيض وسفاسف التفكير، وجلدهم على من يدعون أنفسهم علماء وكيف استطاعوا ضبط أنفسهم ولسانهم وعدم الانسياق خلف الهوى وخلف الانتصار للذات، بل وأشد من ذلك وجود الابتسامة التي لا تفارق محياهم. ومما يميز بعضهم بأنهم علماء لكن لم يزدهم علمهم إلا تواضعا وسعة بال ولم يتقلدوا برجا عاجيا – وهم أقل من القليل - كبقية أكثر من يدعون أنفسهم بالمشايخ في المجتمع لأن أغلبهم لا يندمج مع المجتمع أصلا، ولا يختلط بالناس ليجعل لنفسه هيبة، متخذا آراء السابقين ممن قالوا (إن للعالم هيبة تفقد إذا خالط العامة)، ونسوا بأن الذي يفقد الهيبة من ليس له هيبة أصلا، والتفتوا لرأي السابقين ونسوا قدوتهم صلى الله عليه وسلم حينما قال عنه ربه (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق)، لقد كسر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قواعد المجتمع بأن يكون الرسول أرفع من الناس، بل أراد بذلك وضع أس بأن الناس سواء. ولقد أعاد بعض العلماء المتميزين هذا المبدأ للأمة بعدما انخرطوا مع المجتمع ليبينوا لهم بأن ليس هناك ثمة مثلبة أن يكون (الشيخ) كغيره من الناس.

ولقد سألني أحد أصحابي يوما سؤالا غريبا ولطيفا: إذا بنشرت سيارة الشيخ في الطريق، هل يقوم باللازم؟ فأجبته سيارة الشيخ لا تبنشر.. ضحك لأنه فهم الإجابة وأتوقع بأن القارئ سيفهم الإجابة.

وأعتقد أن فحوى سؤاله أين من يدعون أنفسهم بأنهم ورثة الأنبياء – على حد زعمهم - من الاختلاط بالناس، (وفي الغرب نجد رئيس الكنيسة والرهبان والقساوسة في كل مكان ليس بينهم وبين الناس حجاب، يظهرون في التلفاز وفي اليوم الذي يليه ربما يصطفون معك في طابور القهوة بدون أن يجتمع لهم حواريون!)، هل رأيتم شيخا ممن تعرفون تلفزيونيا قد وقف معك في طابور البنك لينتظر دوره، أو اصطف في طابور محلات التميس والفول كغيره من المجتمع، أو رأيت شيخا تلفزيونيا قد صعد معك على رحلة الدرجة السياحية لمسافة 14 ساعة طيران، أو أن شيخا تلفزيونيا قد تنقل بسيارته بين ورش الصناعية بحثا عن ميكانيكي أو كهربائي، أو أن شيخا تلفزيونيا قد مارس رياضة المشي في المكان المخصص للمشي وغير ذلك كثير..

إذا لم ينخرط من يطلقون على أنفسهم بالمشايخ في المجتمع ويتعايشوا مع الناس، ويصهروا ما بينهم وبين أفراد المجتمع، فأعتقد لن يكون هناك ما يسمى بفقه الواقع أو فقه النوازل وإنما سينتهي الأمر بفقه «السماع» وفقه «حدثنا من نثق بعلمه»، والهدف منه ترسيخ مفهوم الضبابية في المجتمع.