أحمد الهلالي

إطفاء الأستاذ الجامعي!

الثلاثاء - 23 يناير 2018

Tue - 23 Jan 2018

رأس مال الأستاذ الجامعي (وقته)، يسابق اللحظة ليستطيع تنظيمه قدر المستطاع؛ كي يتوازن في عطاءاته المختلفة داخل الجامعة وخارجها، فالأستاذ الجامعي (باحث)، دائب التنقيب في حقول المعرفة ـ أيا كان تخصصه ـ يزدحم ذهنه بالعديد من الموضوعات (البحثية) المختلفة، فكلما هم بالخروج من إشكال معرفي، نبتت في ذهنه إشكالات أخرى يرى تقصيها ضرورة معرفية لا يعفيه انشغاله بغيرها، وما فاض عن طاقته يوجه طلابه ومعارفه وقراءه إلى بحثه.

ولأن الجامعات بيئات بحثية؛ فقد راعت في شتى أنحاء العالم هذا الأمر، وأولته عناية خاصة تساعد عضو هيئة التدريس على تنظيم وقته، فنجد العبء التدريسي للعضو في كثير من الجامعات يتوزع على ثلاثة أيام، وبعضها على أربعة، لكن لم نسمع ـ إلا نادرا ـ بجامعة تتعسف، وتتنصل من مراعاة عضو هيئة التدريس (الباحث)، تلزم الأستاذ الجامعي بالدوام خمسة أيام متصلة، تفرق جدوله بالساعة والساعتين خلالها (من أجل الدوام فقط).

ربما غاب عن صاحب القرار أن كثيرا من أعضاء هيئة التدريس يقضون جل أوقاتهم في مكتباتهم، ويتحينون الفرصة السانحة للبدء في مشروعاتهم البحثية، فالأستاذ الجامعي يدرس لطلابه، ويتابع بحوثهم، ويصمم لهم الاختبارات الدورية والنهائية ويتولى تصحيحها، غير الاختبارات التقويمية الخاصة، ومهام الإرشاد الأكاديمي، والإشراف على طلاب الدراسات العليا، وتدريس طلاب الانتساب أو الدارسين عن بعد، وربما يدرس في وحدات أخرى تقدمها كليات خدمة المجتمع وغيرها، غير اشتغاله في لجان الجامعة، ولجان كليته ولجان قسمه، وساعاته المكتبية، هذا في الشأن التعليمي، أما في الشأن الاجتماعي فالجامعات تطالب أعضاءها بخدمات اجتماعية متعددة كإلقاء المحاضرات التوعوية كل في تخصصه، أو المشاركة مع جهات حكومية أو خاصة، أو الخدمات التطوعية، أما في الشأن العلمي فالأستاذ الجامعي مطالب بالمشاركات العلمية في المؤتمرات المحلية والعالمية، ناهيك عن النشر العلمي لأبحاثه ومقالاته، أضف إلى ذلك اشتغال بعض الأساتذة بالتأليف والتحكيم والمراجعات والمشاركات المتنوعة في مجالات ثقافية وطبية وإعلامية ووطنية وغيرها.

كل هذه الشؤون يشتغل بها الأستاذ الجامعي المستقر في مدينته، فكيف سيكون حال أساتذة وأستاذات يعانون ظروفا اجتماعية صعبة، منهم من يقطع مسافات طويلة للدوام اليومي، ومنهم من يضطر للتغرب عن منزله في مدينة أخرى طيلة أيام دوامه لظروفه الخاصة!

أي وقت سيجده الأستاذ الجامعي للبحث، وللمجتمع ولأسرته وللوطن وللحركة المعرفية والثقافية إذا ألزمناه (تعسفا) بالدوام اليومي، وأي إنتاج معرفي ننتظره من باحث محبط، يجد من جامعته التنصل عن دعمه، فالعبء التدريسي للأستاذ الجامعي حين يتوزع على خمسة أيام سيجد أنه يداوم في بعض الأيام من أجل محاضرة بساعة واحدة، خروجه من أجلها يكلفه الكثير وقتا وجهدا نفسيا، كان يمكن استثماره في البحث أو في مشروع معرفي يعود ريعه على الأستاذ وطلابه والجامعة والوطن، والمحبط أن تلك الساعة الوحيدة يمكن إضافتها إلى اليوم السابق ذي الساعتين فقط.

رؤية 2030 تولي البحث العلمي اهتماما بالغا وأفردت له خطة خاصة، ومن غير المنطقي أن نسير عكس سياق الرؤية، وأن تصبح الجامعة (ثانوية كبيرة) لا يزيد استثمارنا في أعضاء هيئة التدريس فيها عن إلقاء المحاضرة على الطلاب، والجلوس في المكاتب انتظارا للمحاضرة الأخرى، وربما يغيب عن بعض أصحاب القرار أن كثيرا من أساتذة الجامعات يتنازلون عن وهج المناصب الإدارية؛ كيلا تشغلهم عن البحث العلمي، وهمومهم المعرفية، التي يجدون ذواتهم فيها، ويرون خيرها أنجع وأعم وأبقى، والله بصير بالعباد.

ahmad_helali@