محمد العوفي

الثقافة الوطنية التحدي الأكبر للمنظمات

الاثنين - 22 يناير 2018

Mon - 22 Jan 2018

الدراسات المتعلقة بالسلوك التنظيمي وثقافة المنظمات تؤكد أنه لا يمكن فصل المنظمات عن بيئتها المحيطة بها، وأن الثقافة الوطنية أو المحلية تؤثر بشكل كبير على ثقافة المنظمات وأدائها التنظيمي، ودعت مديري الشركات متعددة الجنسيات الراغبة في الاستثمار في دول خارج الحدود لدراسة وفهم الثقافة الوطنية لهذه الدول قبل المضي قدما في أي مشروع لأهميتها في الأداء التنظيمي، وأصبح هذا الأمر حقيقة لا جدال فيها في علم المنظمات وثقافتها.

ومثار الاهتمام بدراسة الثقافة المحلية وتأثيرها لم يأت بمحض الصدفة، بل كانت نتيجة لتفوق الشركات اليابانية في السبعينات من القرن الماضي على الشركات الأمريكية والأوروبية، وصدرت وقتها أربعة من أشهر كتب الإدارة في هذا المجال: «نظرية z «، «فن الإدارة اليابانية»، «ثقافة المنظمة»، «البحث عن الامتياز»، حاولت هذه الكتب تحديد أسباب ضعف أداء الشركات الأمريكية، وتحليل أسباب نجاح الشركات اليابانية واكتساحها للأسواق، وقدمت وصفة علمية وعملية لمساعدة رجال الأعمال الأمريكيين لمواجهة تزايد المنافسة اليابانية، بعد أن أرجعت هذه الدراسات التفوق الياباني إلى القيم السائدة في الثقافة المحلية، والتي لعبت دورا كبيرا في تشكيل وتكوين ثقافة المنظمات، وأكدت أن هذه القيم تمنح الشركات مزايا تنافسية، وتساعد في تحسين أدائها.

ورغم أهمية الثقافة الوطنية ودورها في أداء المنظمات، إلا أن الحديث عنها يعد في حكم المسكوت عنه، أو خجولا خوفا من الدخول في دوامة جلد الذات، لأنها ترتبط بالقيم والعادات والتقاليد التي تسود في المجتمع وينقلها الأفراد إلى المنظمات، لذلك بقي نقدها في حكم المحرم حتى وقت قريب، وبدلا من ذلك كان النقد يوجه للمنظمات على أنها غير قادرة على تطوير أدائها دون الالتفات إلى البيئة المحيطة التي تؤثر في ثقافة هذه المنظمات وأدائها التنظيمي.

ليس من العيب أن نعترف أن بعض جوانب الثقافة الوطنية أصلت لممارسة سلبية داخل هذه المنظمات، وأن نوجه أصابع الاتهام نحو الواسطة والمحسوبية وشيوعهما في التعيينات والاختيار والترقيات، وتناقضهما مع مبدأ الجدارة والكفاءة ومبدأ تكافؤ الفرص، مما أدى إلى نشوء ثقافات فرعية متضادة داخل المنظمة تمحورت حول القبيلة أو العائلة أو المناطقية، والتي أفرزت بدورها صراع اللوبيات داخل المنظمات، وكل ذلك كان على حساب خلق قيم ومعتقدات مشتركة بين العاملين داخل المنظمات فيها.

علينا أن نعترف أن المنظمات تواجه تحديا كبيرا في التخلص من هذا الإرث، ولم يعد بالإمكان تجاوز هذه المرحلة دون حركة تصحيحية شاملة تعيد تقييم العلاقة بين الثقافة الوطنية والثقافة التنظيمية، فليس كل قيم المجتمع يمكن قبولها في المنظمات، فالمنظمات تحتاج إلى قيم سرعة الإنجاز، والاقتراب من العميل، والإدارة الذاتية، وتحقيق الإنتاجية من خلال العاملين، والالتزام بالخط الأصلي للنشاط، وتنظيم بسيط وعدد قليل من الإداريين، والمرونة والانضباط، وذلك ما لا يستطيع موظفو الواسطة والمحسوبية جلبه للمنظمات.

mohdalofi@