الإشراف التربوي.. بين الأهمية والتمهين

السبت - 16 ديسمبر 2017

Sat - 16 Dec 2017

تتعالى أصوات تربوية هنا وهناك، بعضها يرى أنه الرجل المريض الذي حان رحيله، والبعض يرى أنه صخرة الوادي تتحطم عليها أمواج كثيرة، ذلك هو «الإشراف التربوي» الذي عانى ويعاني في ظل متغيرات تعليمية كثيرة تجعل منه ضرورة أحيانا، ومعدوم الحيلة أحيانا أخرى، وعبئا في أحايين كثيرة من وجهة نظر المحيطين به من قادة مدارس ومعلمين.

والإشراف التربوي أحد العوامل المهمة لتطوير العمل التربوي، ومع أن بعض التربويين والباحثين ما زال يعتقد أن هذا المصطلح غير محدد الوظائف، وما زال في مرحلة بين القيادة والإدارة والمناهج التعليمية، والتدريب، ويتميز بالغموض والعمومية وعدم وجود التعريف المناسب. إلا أنه رغم ذلك حجر الأساس في تطوير العملية التعليمية لو تم التعامل معه وفق معايير مهنية، وذلك لأهميته المتزايدة والملحة أحيانا بسبب المشكلات والقضايا التي تواجهها الأنظمة التربوية والتعليمية في البلاد العربية عموما، وبلادنا على وجه الخصوص، مثل زيادة أعداد المعلمين غير المؤهلين أو المبتدئين، وتذمر قادة المدارس من إشراك معلميهم في دورات وندوات خلال أيام التدريس، وقلة اهتمام المسؤولين بتقرير المشرف وآرائه الفنية والإدارية، وكثرة الأعباء على المشرف التربوي، ودمج الإشراف الإداري والإشراف الفني في مهمة واحدة، ناهيك عن شعور كثير من المعلمين في المرحلة الثانوية بالذات أنهم أكثر كفاءة من المشرف نتيجة الروتينية في الزيارة الإشرافية، إضافة إلى ندرة الصلاحيات المخولة له في عمله، وتأخر توجيه المعلمين أثناء تسديد العجوزات، وعدم استشارة المشرف في الغالب عند نقل المعلمين، وكثرة عدد المعلمين التابعين للمشرف في التخصص الواحد وما ينتج عن ذلك من مهام تدريبية وإدارية تثقل كاهله.

وأمام هذا السيل الجارف من المعوقات من وجهة نظر أطراف العملية التعليمية نحو أداء وفاعلية الإشراف التربوي، فإن التربويين يؤمنون أنهم لا يملكون عصا سحرية للتغلب على هذه الصعوبات، ولكنهم يرون أن بعض الإجراءات الإدارية كفيلة بالإصلاح وإعادة المياه إلى مجاريها من أجل إشراف أكثر فاعلية كتأهيل المشرف التربوي تأهيلا علميا معياريا، ومنحه مزيدا من الصلاحيات فيما يتعلق بنقل المعلمين وتكليفاتهم الإدارية والفني، وتقنين عمل المشرف التربوي وعدم تكليفه إلا بما يخص الجانب الإشرافي التعليمي البحت، واستحداث برامج تقويمية فعالة للمشرفين التربويين، وهذا ما تحاول منظومة قيادة الأداء الإشرافي العمل عليه حاليا، إضافة إلى تكثيف الدورات التدريبية للمشرفين التربويين، وغيرها من الحلول التي ربما تساعد على ردم الفجوة بين أداء وفكر قادة المدارس والمعلمين من جهة وبين أداء المشرف التربوي وإدارات التعليم من جهة أخرى.

ومن وجهة نظري المتواضعة بعد أكثر من ربع قرن في الميدان التربوي أن تمهين التعليم وتمهين الإشراف التربوي من الحلول التي أثبتت نجاحها في كثير من دول العالم المتحضر، وقد آن الأوان لتطبيقها في بلادنا وفق معاييرها العالمية، ومن ذلك منح رخص تعليمية يتم تجديدها بعدما يجتاز المعلم والمشرف التربوي ما يعرف بالاختبار المهني، وهذه المعايير تتعلق بصلب العملية التعليمية مثل معايير التدريب أثناء الخدمة، والمعايير المهنية الخاصة بالأداء الفني للمشرف التربوي، والمعايير الاجتماعية التي تحكم عمله الميداني ضمن محيط مجتمعه المسلم وما يتطلبه ذلك من مهارات اتصال وتواصل وتأثر وتأثير.

وإذا نظرنا إلى المعايير السابقة نجد أننا ما زلنا في المملكة العربية السعودية في بداية عملية تمهين التدريس، ومن ثم نجد أن الإشراف التربوي لم يصل إلى مرحلة المهنة الكاملة، فلا توجد في السعودية معايير متفق عليها ملزمة لمؤسسات إعداد المعلم، ولا توجد رخصة لممارسة مهنة التعليم، ولا جمعيات مهنية ترعى وتنظم أمور المعلمين، ولا يوجد إطار ملزم للنمو المهني، وإن كنا نرى في السنوات الأخيرة وجود محاولات لوضع بعض الاشتراطات للمعلمين، مثل اختبار الكفاءات للمعلمين الجديد، واختبار القدرات وغيرها من المحكات المهنية التي لم تأخذ طور المعايير النهائي، وما زال أملنا كبيرا بوزارة التعليم وهيئة تطوير التعليم وغيرها من الهيئات التربوية أن تؤطر هذا المفهوم (تمهين التعليم) للنهوض بأداء المعلمين والمشرفين وقادة المدارس، فهل تقدم وزارة التعليم على هذه الخطوة الجريئة؟ وهل لديها القدرة والشجاعة على تحمل تبعاتها المهنية؟