عبدالله المزهر

حياة تحتاج إلى حياة..!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2017

Tue - 12 Dec 2017

أكثر شيء يمكن أن يستدل به على أن هذا العصر أسوأ عصور البشرية على الإطلاق هو أن أغلب أحاديث الناس تدور حول الساسة والسياسة. بالطبع ما زال للناس حياتهم الخاصة ومشاكلهم الخاصة وأحلامهم الصغيرة، لكن هذه الحياة الحقيقية لم تعد هي ما يتحدثون عنه.

في الاستراحات وفي المجالس، وحتى في «كشتات» البر، يجتمع الأصدقاء ثم بدلا عن الحديث عن الشعر والحب والحياة والأحلام يتحدثون عن الأعداء والحلفاء وعن وضع ترمب في البيت الأبيض، وعن خطابات الدجل التي يلقيها والي الضاحية الجنوبية في لبنان. يتحدثون عن الحوثي وعن قطر أكثر مما يتحدثون عن أحلامهم التي يوهمون أنفسهم أنها تتبعهم وستأتي حتما ولكنها تأخرت فقط لكي تتزين للقائهم.

صحيح أن هذه أمور يصعب تجاهل الحديث عنها، والمشكلة ليست في وجود مثل هذه الأحاديث بل في أن تصبح كل شيء.

هذه حياة تحتاج إلى حياة، أحاول الهرب من كل هذا والبحث عن مكان لا يسألني فيه أحد عن توقعاتي ولا رأيي فلا أجد. أفشل فألتحق بالركب وأتحدث فيما أفقه وفيما لا أفقه.

والهوس بالسياسة قديم، لكن أحداث الربيع العربي ووجود وسائل التواصل الاجتماعي وتسارع الأحداث وسرعة وصول المعلومة وسهولة حتى الكذب والتزوير ونشر الإشاعات أمور جعلت الأمر يتعدى مرحلة الهوس.

في بدايات هذا المرض كتبت يوما مستغربا عن مواطن لا أعرفه ولا يعرفني سألني في محل بنشر عن رأيي في فوز مرسي في الانتخابات المصرية عام 2012، وأجبته على سؤاله بسؤال آخر، قلت له: هل يبدو على ملامحي أني سياسي أو خبير حتى بالجماعات البنشرية؟ احتقرني قليلا ثم انصرف لشأنه وتوجه بأسئلته الوجودية للعامل الفلبيني وتجاهل وجودي غير المفيد.

زملاء العمل كل يوم ينصبون زعيما وينحون آخر، ويسردون تحليلاتهم السياسية التي لا تستثني دولة ولا حزبا ولا فصيلا موجودا على كوكبنا المشترك.

المأساة تعدت مجرد طرح الآراء، في تويتر على سبيل المثال لا يكتفي المغردون بطرح آرائهم، بل يصنفون الناس إلى أعداء وحلفاء وخونة ووطنيين وعملاء. وبمجرد وصول المتابعين لبضعة آلاف يبدأ المغرد بالحديث وكأنه وزير خارجية أو وزير دفاع، فيهدد دولا ويتعاطف مع أخرى. ويتحدث بلغة صاحب القرار عن التحالفات والولاءات وعما كان وعما سيكون، بينما هو في الواقع ربما لا يملك قرارا بتغيير مكان التلفزيون في منزله. وربما كان هذا الخبير الاقتصادي السياسي الفذ متأخرا عن دفع «قطة» الاستراحة التي يرسل للعالمين نظرياته الاقتصادية والسياسية وهو في إحدى زواياها متدثرا «فروته».

وعلى أي حال..

الملجأ الأخير للإنسانية على هذا الكوكب هم الأطفال، وخاصة الذين لم يتقنوا الكلام بعد. هؤلاء جنة والهروب إليهم مطلب لإنقاذ البشرية. أما حين يتقنون الكلام وتركيب الجمل فلن يكون مفاجئا أن يحدثك طفل في السادسة عن توقعاته بعزل الرئيس ترمب قبل انتهاء ولايته.

@agrni