مرزوق تنباك

لا يكون عجزكم تبريرا لغلبة عدوكم

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2017

Tue - 12 Dec 2017

لا أدري لماذا أكتب بهذا العنوان ولا أدري من أخاطب بهذا المقال، في بعض الحالات يمكن أن يكتب الإنسان لنفسه ويتحدث إليها، إن لم يفهم ما يحدث في محيطه الذي يعيش فيه، وحين لا يستطيع أن يعلل أو يبرر ما يراه يقع خارج المنطق والمعقول، ولا يدرك غايته ومراده.

ومن الحكمة ألا يتعامل المرء بالأحلام والأماني، بل يتعامل بما يمكن في الحال، أو ينتظر ما قد يكون ممكنا في المستقبل، وإذا كان الأمر كذلك فإن الحاضر للعرب يذكرك بالماضي في وجه من وجوه التشابه والمماثلة إن في الجيد منه وهو قليل، أو فيما عرف في تاريخه من الحروب والنكبات والتضعضع والهزائم وهو الكثير، وما نراه اليوم يقودنا إلى المقارنة والاستبصار فيما مر من أحداث.

اليوم يكتب عدد من المثقفين عن فلسطين وعن قضيتها بلغة لم تكن مسبوقة ولا معروفة من قبل. وأقرب ما توصف به آراؤهم أنها آراء تنطبق عليها الحيرة وانسداد الأفق والملل السريع حين رأوا أن الزمن يمر لصالح المغتصب والمحتل، مما أنسى المتسرعين منهم ثبات الحقوق وصيرورتها التي لا تتلاشى بالتقادم ولا يعتورها الاستثقال والتباطؤ.

كم من الشعوب تعرضت للغزو والاحتلال وقهرتها القوة العسكرية وفقدت استقلالها وأرضها واستبد المحتل بها حتى لا يكاد أحد يشك أن الاحتلال أصبح ضربة لازب ثم يأتي يوم تنتفض فيه الشعوب المغلوبة، وتستعيد قوتها ووحدتها وكرامتها وأرضها التي ظنت يوما ما أنها لن تعود أبدا. تنبعث كوامن القدرة والقوة في لحظة تاريخية مواتية تأتي بظروفها وأوانها.

قد تمر أزمان على قهر المحتل وغلبته، وقد تهزم أجيال وتتلوها أجيال ترضخ لسلطان القوة، ولكن الظلم والقهر يحركان كوامن الأمل ويدفعان إلى العمل على استرداد ما ضيع ورد ما اغتصب.

وقضية فلسطين واحتلالها لم تكن الأولى في تاريخها الإسلامي، فقد غزاها الصليبيون قبلا واحتلوها وأقاموا مملكة القدس الكبرى على كامل أرض فلسطين اليوم، وأكثر من ذلك من أرض الشام وبعض مداخل سيناء، واستمر الاحتلال ما يقارب مئتي سنة من 1099 حتى 1291م.

احتل الغزاة الصليبيون المدن والساحل وجعلوا عاصمتهم بيت المقدس، بل سموا الشام كلها وما احتلوه منها باسم مملكة بيت المقدس. كان هذا الاحتلال الطويل قد أصاب العرب والمسلمين باليأس، وسعى بعضهم إلى التنازل عن حقه، وبعضهم تصالح مع واقع الحال والاحتلال واستسلم لهما وتعامل مع المحتلين، وقدر وبئس ما قدر أن من صالح حاضره وربما مستقبله أن يتعايش مع عدوه ويتصالح مع قهره وغلبته، كما يتعامل بعض البائسين والمثبطين اليوم، ولكن بقيت جذوة من الأمل تتقد في نفوس الصادقين المخلصين من الرجال الذين يرون أن الغلبة للحق مهما بعد مطلبه، فقد يأتي اليوم الذي تختلف الظروف وتولد أجيال وتقوم قوة غير تلك التي خضعت لقسوة الاحتلال.

وهذا ما حدث بعد ذلك الزمن الطويل، عادت القدس وعاد الشام وتفرق الصليبيون أيدي سبأ، واليوم يعلن الصليبيون الجدد أن القدس عاصمة لربيبتهم إسرائيل أمام عجز أهل الأرض وضعفهم وتشتت أمرهم، ولكن نقول لليائسين والمتسرعين والمثبطين: إن جذوة الأمل ستتقد في صدور الأجيال القادمة وسيردون ما ضيعتم، وستعود فلسطين كما عادت من قبل وسيكون التاريخ شاهدا عليكم وليس لكم، فلا يكون عجزكم تبريرا لغلبة عدوكم.

Mtenback@