الروابط الخضراء.. هم الشرطة البيئية

الثلاثاء - 12 ديسمبر 2017

Tue - 12 Dec 2017

لقد طالعتنا صور مشرفة لوزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبدالرحمن الفضلي وهو يكرم أحد المواطنين الغيورين على البيئة والأشجار الفطرية وهو المواطن محمد الحمود الذي وثق اعتداء أحد المقاولين وتدميره لـ47 شجره برية، وتعهدت الوزارة بزرع أضعاف الأشجار المدمرة بمشاركة رابطة حوطة بني تميم الخضراء.

هذه الصورة المشرفة التي تعكس التعاون المثمر والبناء بين المؤسسات الرسمية والمجتمع فيما يسمى في علم البيئة بالإدارة التشاركية Participatory management وهي أول وأهم ركائز نجاح أي عمل بيئي، وبدونه تختل كل التوازنات التي تسعى إليها الحكومات في المحافظة على النظام البيئي ومكوناته الإحيائية النباتية والحيوانية.

للروابط الاجتماعية تأثير فعال في كل تخصصاتها المختلفة المناحي فأفراد المجتمع شركاء في حماية البيئة والحياة الفطرية وإنمائها، ومراقبة التعديات والتصدي لها حتى لو تعرض أبناء المجتمع المخلصين إلى الأذى نتيجة لذلك، إنهم يحملون قيما ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من مقدرة بالقلم وباللسان وبالنصيحة وبالعمل الراقي في إطار حفظ حقوق الآخرين حتى لو كانوا معتدين.. فكم من ممارسات سيئة كالاحتطاب أو تلويث التربة والماء أو الصيد الجائر للحيوانات البرية والطيور المهاجرة تصدوا لها ونسقوا في ذلك مع الجهات الحكومية ذات العلاقة وأوقفوها ومنعوا بذلك أرواحا تزهق وثروات تتبدد وبيئة تحتضر، وكأنهم يقومون بعمل الشرطة البيئية قبل أن تولد.

لو طلب من موظف حكومي أو خاص أن يسافر في نهار صيف رمضان الحار برا ويعطى الانتداب الجزيل والمركبة الفارهة والإعاشة والسكن من أجل غرس نبتة في واد قرب مدينته لربما لن يفعل ذلك وتحجج لتأجيله بعديد الحجج، ولكن أن يسافر أشخاص في نهار صيف رمضان القائظ شديد الحرارة ويقطعون مئات وآلاف الكيلومترات تطوعا بسياراتهم الخاصة وعلى حسابهم الخاص ليشاركوا إخوانهم غرس بعض الأشجار في أودية الصحراء من أجل رسم صورة لوطنه في المحافل الدولية وهي تحتفل بيوم البيئة العالمي لهو أمر مشرف غير مسبوق.

هذا ما فعله أعضاء رابطة وجمعية تبوك الخضراء في يوم البيئة العالمي ومنهم الأستاذ طارق الحسين والأستاذ عبدالعزيز العقيل والدكتور فوزان الفوزان والأستاذ سمير الزهراني رئيس بلدية القليبة وغيرهم كثير حيث توافدوا من شرورة ومن الرياض ومن القصيم ومدن أخرى إلى تبوك لغرس أشجار برية كمشاركة من شعب المملكة العربية السعودية الناضج الواعي بأمل أن يكونوا قدوة للآخرين الذين يعبثون بموارد الآباء والأجداد فهل نحن أمام أزمة فكر وروح وقيم؟

لقد أتعبتم من بعدكم يا أعضاء رابطة وجمعية تبوك الخضراء، وكأني أرى أن من حبسه عذر يومها يقول والدمع في عينيه: يا ليتني كنت معكم.

هذا الوطن ورثنا العيش فيه من الآباء والأجداد الذين لم يهدموا مقومات بقائهم ومواردهم الطبيعية، فلم يكونوا يشربون الشاي عند قاعدة شجرة أو أفياء غابة ويتركونها لتحترق بأكملها، ولم يكونوا أصحاب سيارات تسحب أشجار الرمال من عروقها، ولم يكونوا يستخدمون أكياس القمامة مقاس 55 لتمتلئ هدرا بغذاء يتمنى جياع العالم حبات منه،ولم يكونوا يملكون عربات تدهس حشائش الربيع الغضة في الروضات البرية وهي لم تعد وليدة يوم أو يومين فتشغل نفسك وأنت في تلك الروضات بسد كل فتحات وجهك كي لا يلفحك الغبار ويمتلئ به صدرك وتعود من رحلتك إلى الإسعاف بدلا من أن تشم الهواء النقي، وينظف رئتيك ندى الصباح.

هذا الوطن استعرناه من أبنائنا الذين لم يولدوا بعد.. أبناؤنا الذين سيقولون يوما كان لدينا غزلان وهذه هي رسمتها، وكانت لدينا روضات ومراع وهذه ذكريات أبي فيها..

أبناؤنا الذين صرنا نحيك لهم حبال التلوث والاحتطاب والرعي والصيد الجائرة وحرائق الغابات والتوسع العمراني والزراعي والتنموي الجامح وإفراغ المخزون المائي الجوفي وردم الشواطئ وتجريفها، وصب الملوثات في البر والبحر لنخنقهم بهذه الحبال، بدلا من أن نجعلهم يقولون شكرا، أديتم الأمانة ونصحتم لنا وتركتمونا على الدروب الخضراء.

هذا الوطن نعيشه الآن فماذا نحن فاعلون؟ ويميننا لم تزل بيمين آبائنا ممسكة، وشمالنا تنتظر أن تمسك وتتعلق بها أنامل أجيالنا الغضة.

فهل نبر الآباء ونؤدي حقهم حينما رحمونا صغارا ونحفظ الأمانة للأجيال شفقة ورحمة بهم أم ستلاحقنا بوائق العبث ولعنة الحقوق وضياع الأمانة!؟

قال تعالى «وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار».