شكرا ترمب

الاثنين - 11 ديسمبر 2017

Mon - 11 Dec 2017

ما أجمل أن ترى الأشياء على حقيقتها، بعيدا عن كل قول زائف أو صداقة مصطنعة، فشكرا لمن كشف قناعه المتلون ولم يدع مجالا لتأويل انحيازه التام نحو القبعات السوداء، متخليا عن دوره المحوري المزعوم، فقد بدت سوأته ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

وفي نفس الوقت لا ينبغي أن نتوجس من قرار قد تم شجبه بكل لغات العالم، لا سيما أن تنفيذه بعيد المنال، فهم أقل شجاعة من أن يقدموا على خطوة كهذه، فما هي إلا عملية جس لنبض الشارع ليس إلا، وفي المقابل لا يمكن تجاهل النواحي الإيجابية من تحريك المياه الراكدة، والتي أيقظت مشاعر المسلمين كافة والعرب خاصة، بعد سبات عميق ظلوا يحلمون فيه بربيع لم تجن منه الأمة إلا علقما أسكر أفئدتهم وأنساهم الهم الأكبر الذي لم تتوحد الأمة في شيء سواه.

فهذا قدر الأمة بأن تعيش في صراع أبدي حول هذه الأرض المقدسة مع أعدائها، ولله حكمته البالغة لتبقى الأمة قوية مسلحة بالإيمان ووسائل النصر، فقضيتنا اليوم ليست وليدة اللحظة، فهي مسطرة في عمق تاريخنا الإسلامي وبكل تفاصيلها، وخلال الألف وأربعمئة عام مرت الأمة بفترات قوة تمكنت خلالها من إرجاع الحقوق لأصحابها، وحين ضعفها لا يترك عدوها فرصة الانقضاض بوضع اليد محتلا غاصبا، يعيث في الأرض الفساد، لا يسلم من شره شجر ولا حجر، وستبقى تلك التجاذبات إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

إلا أننا لا نجد مبررا لأولئك المتخاذلين من بني جلدتنا، الذين ملوا الانتظار ولم يعد لديهم أبسط أبجديات العزة والكرامة، ولو بحفظ ألسنتهم عن قول الباطل.

ينشر أحدهم مقطعا يروج فيه كراهية مهجري لبلاد الحرمين، أو تصرفا مشينا من أفراد حزب ناكر للجميل، ظنا منه بأن ذلك كفيل بأن نتخلى عن قضية تمس عقيدتنا، والتي جعلت من حكومات بلادي المتعاقبة كرأس حربة طيلة العقود الماضية، مناضلة بكل مقدراتها، متجاهلة كل ما قد ينجم عن ذلك من خلاف وتوتر مع حلفائها، وكل ذلك نصرة لهذه القضية، وستظل قضيتنا الأولى حتى يتحقق النصر وإرجاع الأقصى إلى حضن الأمة.

إن الحقوق لا تذهب بالتقادم ولا يمكن لأي مسلم يؤمن بالله وما أنزله في كتابه إنكار حقيقة ذلك الارتباط العقدي بالمسجد الأقصى كثالث المساجد المقدسة لعموم المسلمين، حيث إن تلك الحقيقة لا تخضع لأي تجاذبات سياسية أو خلافات بين الشعوب.

نعم ستظل القدس في قلوبنا وكلنا شوق للصلاة في أكناف بيت المقدس، فإن تحقق ذلك فنحن من المحظوظين، وأن وافتنا المنية وفي أولوياتنا ذلك الحلم فهو شرف ووسام يحمل شعار الصمود والإباء الذي نورثه أجيالنا القادمة، فنحن أمة خالدة تصاب بالداء ولا تجزع، لأنها تؤمن بالتنزيل وهم قد كفروا به، فالله جل في علاه قد وعدنا بالنصر والتمكين «إن تنصروا الله ينصركم»، وبشرنا بما يبعث في النفوس بالطمأنينة «كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله»، ولن يخيب الله من تمسك بحبله، والله غالب على أمره ولو كره المبطلون.