فاتن محمد حسين

القضاء على الفساد وحراك الجهات الرقابية

السبت - 09 ديسمبر 2017

Sat - 09 Dec 2017

لقد أنشئت معظم الهيئات الرقابية في الدولة منذ عقود من الزمان، ولكنها لم تكن تستطيع كشف الفساد ونبش الأوراق بأظافر مقلمة، ولكنها الآن تستعيد حيويتها، وقد قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حواره السابق مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إن والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رأى أنه «ليس من الممكن أن نبقى ضمن مجموعة العشرين في حين تنمو بلادنا بهذا المستوى من الفساد»، فهذه الكلمات أحدثت حراكا وآمالا كبيرة في مستقبل الوطن الذي اختطفه الفساد في كثير من مجالاته، فقضى على آمال المواطن في التنمية والرخاء والازدهار. فقد كشفت الهيئات الرقابية مؤخرا عن مشروعات كبيرة لا وجود لها على أرض الواقع وحوالي 80% من المشاريع متعثرة، وكل ذلك دلالات عميقة على انتشار الفساد في معظم المجالات.

وحينما أطلق ولي العهد رؤية المملكة 2030 أكد على أنها تعتمد على رفع كفاءة الإنتاج وتنويع الاقتصاد الوطني، فكان ضروريا القضاء على مدمرات الاقتصاد الوطني وأهمها (الفساد). وقد بدأ بمحاربته من أعلى الهرم؛ فقد أثبتت التجارب الماضية أن البدء بالقاعدة لم يجد إلا مزيدا من الهدر وسرقة للمال العام، بالأدلة والبراهين الموثقة وملفات تم جمعها، حيث وافق 95% من الموقوفين على التسوية، وهذا أكبر دليل على اعترافهم بتلك الممارسات، كما أن استعادة الأموال المنهوبة تتطلب أعلى معايير الشفافية والكفاءة الإدارية والمالية، مما يؤدي إلى ثقة المستثمرين بالسوق السعودي وجلب الكثير من الاستثمارات الأجنبية، والدخول إلى السوق العالمية.

والحقيقة أن عمل الجهات الرقابية يعطينا آمالا كبيرة في وطن أكثر أمنا وثقة وعدالة اجتماعية، فلا رشوة، ولا اختلاس، ولا واسطة.

ومما يثلج الصدر ما قام به ديوان المراقبة العامة - حسب صحيفة المدينة الجمعة 13/‏‏3/‏‏1439هـ- من إعداد خطة متكاملة لتأهيل منسوبي الجهات الحكومية على اكتشاف الفساد، واقتراح 7 دورات لمنسوبي الجهات الحكومية تبدأ بكيفية التخطيط لمهمة المراجعة، مرورا بالتوثيق للأدلة والإثبات، وأساليب الحصول عليها ثم حفظها وتقديمها للجهات المختصة. وحقيقة فإن مثل هذه البرامج فاعلة في توفير أقصى درجات الرقابة والشفافية لحماية المال العام، والترشيد في النفقات، وعدم الهدر، مما يؤدي إلى رفع كفاءة الاقتصاد الوطني من خلال رفع كفاءة الأداء في الأجهزة الحكومية.

وليس أدل على أهمية هذه الخطوة في التدريب ما كشفته هيئة الرقابة والتحقيق – مؤخرا- من رصد مخالفات على جهات وإدارات حكومية من مسؤولي إدارات الصحة، والتعليم، والعدل، والبيئة، وإحالتهم للتحقيق في مخالفات إدارية، من بينها الترقيات غير النظامية، وتكليف وإحلال السعوديين مكان الأجانب المتعاقد معهم وإبقاء بعضهم أكثر من 25 سنة دون موافقة نظامية على تجديد عقودهم!!

ولعل استشراء الفساد قد امتد إلى معظم المجالات حتى في وسط، وقاعدة الهرم فتيقظت (نزاهة) لهذه الفكرة وتصدت لها فكشفت عن مشروع - أعتبره شخصيا - من المقومات الأساسية في القضاء على الفساد، وهو: التوجه نحو إقرار قواعد الذمة المالية واعتبار القسم الوظيفي لبعض فئات العاملين في الدولة في مختلف القطاعات، ومسميات وظائف أمرا أساسيا.

وحقيقة فإن تطبيق (نظام إقرار الذمة المالية والقسم) يجب أن يشمل جميع موظفي الدولة، فسرقة المال العام، والهدر في الوقت، وعدم احترام النظام والوقت، والدوام الرسمي، والغش في التعاملات، كلها عوامل فساد وهدر يعطل التنمية، وحلف اليمين (القسم) يعطي الموظف الهيبة ومخافة الله، وإيقاظ الضمير من لحظات ضعف إنسانية. خاصة إذا ما وضع على شكل (ميثاق شرف للعمل)، حيث يقول الله تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون)، فهذا القسم يكون مدعاة للأمانة والنزاهة ومبعدا عن مظاهر الفساد.

وحقيقة لكثرة انتشار مظاهر الفساد حتى في بيوتنا وعند من يقدمون لنا الخدمة من: سرقة للأموال، وسوء معاملة للأبناء، يصل إلى حد التحرش والإيذاء، لزم أن نطالب وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بإقرار (القسم) للعمالة من خلال (ميثاق شرف)، وليس هذا بدعا من النظم، ولكنها موجودة في تاريخنا الإسلامي فهي إرث سياسي، تنظيمي، اجتماعي، لحماية الحقوق وصيانة الأموال والأعراض، والإخلال به تترتب عليه مفاسد ليست فقط في مخالفة الشرع وحدها، بل مخالفة العقد الذي هو شريعة المتعاقدين.

شكرا لجميع الجهات الرقابية في الدولة على هذا الحراك للقضاء على الفساد، لنبدأ عصرا جديدا من الحضارة السعودية نستنشق فيه أوكسجين النزاهة والأمانة.

@Fatinhussain