محاذير النقود الرقمية

الاحد - 03 ديسمبر 2017

Sun - 03 Dec 2017

الحياة العصرية غيرت كل معالم الحياة، وأصبحت التقنية الالكترونية تمثل ركنا أساسيا في كل التعاملات والمعاملات اليومية. فالتجارة أصبحت تتم الكترونيا عبر التقنيات الحديثة، وأغلب المعاملات المصرفية تتم الآن الكترونيا من أي مكان دون الحاجة للذهاب للبنك لمقابلة الموظف الأنيق المظهر والشكل، والمؤتمرات العالمية لا تحتاج للسفر وتوابعه لأنها تتم الآن عبر «الكونفرنس كولز» التي تأتي من كل جهات الدنيا عبر جهاز الفيديو والتلفون والتوصيلات التقنية السهلة، والعمليات الجراحية المعقدة تتم أيضا الآن بمشاركة أطباء في أماكن مختلفة بعيدة ولكنهم يتابعون العملية ويوجهون من بيده المبضع.. ويراقبون كل شيء كأنهم بأجسادهم داخل غرفة العمليات، وهكذا تدور الأمور الآن وتدار أولويات ومرافق الحياة عبر التقنية الالكترونية. وهذا التطور المذهل من نعم الله جل جلاله علينا التي لا تحصى، وفوق كل ذي علم عليم.. ولنغتنم هذه النعم ونشكر ربنا عليها، ومن الشكر حسن الاستخدام.

ودعما للحركة العارمة والثورة التقنية المتجددة مع كل إشراقة شمس، تم إصدار التشريعات والأنظمة والقوانين الضرورية، وذلك بغية منح ما يتم في هذا الإطار، القوة القانونية والاعتراف الشرعي بميلاد العمليات التقنية الالكترونية.. وهكذا، هذه الثورة التقنية قابلتها في المقابل ثورة قانونية كانت ضرورية بل حتمية لتأخذ العمليات التقنية الالكترونية وضعها القانوني السليم.. وبسبب الوضعية القانونية والتبني الشرعي الكامل، سارت التقنية الالكترونية في ثبات وتطور حثيث شمل كل مرافق الحياة.

وفي هذا الخضم، ظهرت الجرائم السبرنانية الالكترونية بأضرارها وسلبياتها العديدة، وكذلك ظهر ما يعرف بالنقود الرقمية الالكترونية التي أتت كإنتاج طبيعي للتقنية الالكترونية، وبدأ البعض يروج لهذه النقود بكثافة وبدأ التعامل معها بواسطة البعض في بلدان عدة، وهناك من يراقب من على البعد وهو في حالة عدم يقين وتردد في الولوج إلى هذا العمل والتعامل بالنقود الرقمية أم الابتعاد عنها، ويا دار ما دخلك شر.

والنقود الرقمية، من اسمها هي عبارة عن نقود أو أموال افتراضية يتم تبادلها عبر الانترنت ووسائل التقنية الحديثة بين أطراف معينة يتفقون على تبادلها فيما بينهم وكذلك قبولها فيما بينهم. وهذه النقود، غير مادية حقيقية، بل افتراضية يتم تبادلها عبر الأثير ولا يمكن قبضها أو حسابها أو «شمها» أو «حسها» عبر اليد للتأكد من سلامتها وقيمتها وصحتها وقابليتها للتداول.

ومن هذا الواقع الافتراضي تأتي محاذير التعامل مع النقود الرقمية الالكترونية. بالرغم من أن البعض يستخدمها، إلا أن المحاذير عديدة، أولها أن هذه النقود غير مقننة وفق القانون. لأن النقود والعملات، تصدر وفق القانون الذي يمنحها القوة القانونية لإبراء الذمة، عند القبض أو الاستلام. ووفق القانون، فإن هناك جهة حكومية رسمية واحدة هي المخولة بإصدار واعتماد النقود وفق معايير اقتصادية ومالية معينة متعارف عليها.. وهذه الجهة الرسمية، في كل العالم، تكون البنك أو المصرف المركزي للبلد. وعند إصدار هذه الجهة الرسمية للنقود نيابة عن الدولة فإنها تضمن هذه النقود وتمنحها القوة القانونية لإبراء الذمة، على حسب البيانات الرسمية والقيمة المدونة في النقود.. وكل هذا لا ينطبق على النقود الرقمية الالكترونية لأنها لم يصدرها البنك المركزي، الجهة الرسمية المخولة قانونا بإصدار النقود الحقيقية (غير الافتراضية)، مع مراقبتها طيلة فترة التداول وفق معايير قانونية محددة. والدولة تعرف متى تصدر نقودا ومتى تتوقف عن ذلك، لعدة أسباب اقتصادية ومالية وسيادية وغيرها.

وهناك محاذير أخرى، لا يسع المجال لذكرها في هذا الحيز الضيق، ولكن من المهم أن نشير إلى أن من المحاذير احتمال استغلال ضعاف النفوس للنقود الرقمية في جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب الذي يرهب كل أركان العالم الآن. وبما لا يدع مجالا للشك ثبت أن البعض من مستخدمي ومروجي استخدام العملة الرقمية هم ممن يرتكبون جرائم غسل الأموال أو يشرعون في ارتكابها أو يبذلون كل الجهود لإشراك غيرهم في هذا النشاط المريب، حتى يصبح مسارا مستساغا مألوفا معروفا واعتياديا للجميع. وهنا الخطر الكبير، والحذر واجب على الجميع حتى نقفل هذا الباب نهائيا.. على الأقل في الوقت الحاضر من هذه المرحلة الضبابية الخالية من الشرعية المقننة لاستخدام النقود الرقمية الالكترونية.. وما خفي أعظم.