مشروع نيوم بثقافة إدارية وفنية واعية!

الثلاثاء - 07 نوفمبر 2017

Tue - 07 Nov 2017

لن أتحدث في هذا المقال عن التفاصيل الاقتصادية والاجتماعية لمشروع «نيوم»، فقد أضحت ماثلة ومشاهدة للمواطن والمقيم، ولكن سوف أتحدث عن الثقافة الإدارية المصاحبة لهذا المشروع العملاق، وقد كانت غائبة وتائهة في فترة أو مرحلة خطط التنمية السعودية منذ انطلاقتها في 1389هـ (1970م )، إذ خلال أكثر من (47) عاما من عمر هذه الخطط، لم تتغير بالمطلق آليات إعدادها وقواعد إنجازها! ولا أبالغ إذا قلت بأن الفكر والأدوات وطرائق العمل المتبعة هي نفسها! بل أكثر من ذلك، افتقدت منهجيتها للديناميكية والتفاعل مع المستجدات العالمية! وهذا في تقديري من أسباب الفشل النسبي في إحداث تطبيقات ناجحة واختراقات إيجابية لهدف «تنويع القاعدة الاقتصادية « أو «تنويع مصادر الدخل»! وهو، بالمناسبة، أحد أبرز أهداف خطط التنمية، لجهة التقليل النسبي من الاعتماد على النفط كمورد رئيس للناتج المحلي الإجمالي! ومن ثم فقد ظل هذا الهدف ضيف شرف على كل خطة من الخطط الخمسية المتعاقبة! وهذا الأمر يعني بطبيعة الحال أن المملكة ظلت تحت تصنيف «الدولة الريعية» أو « الاقتصاد الريعي»، فالنفط هو مصدر الإيرادات الرئيس والمحرك للنشاط الاقتصادي في مجمله!

بدهيا، وفي الأدب الاقتصادي يأتي تنويع القاعدة الاقتصادية عبر عدد من الخيارات المتاحة! منها: إنشاء الصناديق السيادية وتوسيع نطاقها، لعوائدها المجزية، رغم مخاطرها المحتملة! وكذلك بناء وتوسيع قطاعات إنتاج جديدة، لها ميزات نسبية، في أنشطة اقتصادية تجارية وصناعية بعينها، تأخذ على عاتقها، خلق المزيد من الوظائف، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى رفع حجم الصادرات!

ومن الخيارات المتاحة كذلك فرض الضرائب المباشرة وغير المباشرة على رجال المال والأعمال، والمشاريع التجارية والصناعية! وفي شأن القطاع الخاص من المهم تحفيزه وتعزيز قدراته التنافسية وإمكاناته الإدارية والتشغيلية والتقنية للتقليل من اعتماده على الإنفاق الحكومي! وزيادة فرص تسويق منتجاته في الأسواق العالمية!

معرفة وإدراك أفضل الخيارات المتاحة للتنوع الاقتصادي لن تتأتى بشكل واضح ومقنع وعملي إلا عبر « الاستثمار العالي» في مجال البحوث والدراسات، سواء لدى معامل القطاع الخاص أو مراكز البحوث والدراسات في الجامعات السعودية! وهذا ما عملت عليه ولا تزال الكثير من الدول والشركات الناجحة على مستوى المنظومة العالمية، فالتقدم الاقتصادي والنجاح التجاري وتعزيز المراكز التنافسية لهذه الدول والشركات سبقتها استثمارات هائلة في مجال البحوث والدراسات والتطوير!

هذه الثقافة الإدارية عالية الجودة والابتكار والتنظيم، المصاحبة لقيم الشفافية والنزاهة والمصداقية، لم تكن حاضرة وتحت نظر القائمين على الخطط التنموية السعودية، ولذا فقد تعثرت إلى حد كبير نسبيا، ومن شأن سيادة هذه الثقافة الواعية أن تسفر عن رؤية اقتصادية تتناغم مع الإمكانات والموارد المتاحة، وتتقاطع مع الاحتياجات التنموية في الحاضر والمستقبل لتحقيق المزيد من التقدم والرفاهية الاقتصادية للوطن وأبنائه.

وفي تقديري أن مشروع نيوم يسير وفق هذه الثقافة الواعية وفي الاتجاه الصحيح.