باسم سلامه القليطي

توسيع المدارك ينهي المعارك

الجمعة - 21 يوليو 2017

Fri - 21 Jul 2017

شرحت معلمة الرياضيات لطالباتها عملية الجمع، وبعد أن فرغت من الدرس، أرادت أن تختبر مدى استيعابهن للدرس، فاختارت إحدى الطالبات وسألتها: لو أعطيتك تفاحة وتفاحة وتفاحة، فكم تفاحة لديك الآن؟ بدأت الطفلة العد على أصابعها وقالت: لدي الآن أربع تفاحات!

استغربت المعلمة من جواب الطفلة وغضبت، ثم أعادت السؤال على الطفلة لعلها لم تفهم السؤال في المرة الأولى فقالت: أعطيتك تفاحة وتفاحة وتفاحة، فكم تفاحة لديك الآن؟

فكرت الطفلة قليلا وقالت: أربع تفاحات، توترت المعلمة وزاد غضبها وشكت في نفسها، أنها لم تحسن الشرح، أو أن هذه الطفلة غبية لا تفهم، فقررت المعلمة أن تغير طريقة السؤال، واختارت فاكهة أخرى، فسألتها: لو أعطيتك برتقالة وبرتقالة وبرتقالة، كم لديك الآن؟ وبعد أن عدت الطفلة على أصابعها أجابت: ثلاث برتقالات، فرحت المعلمة جدا وقالت: أحسنت، والآن لو أعطيتك تفاحة وتفاحة وتفاحة، فكم سيكون معك الآن؟

أجابت الطفلة بحماس: أربع تفاحات، اشتد غضب المعلمة وقالت: كيف؟!

أجابت الطفلة: أنت يا معلمتي أعطيتني ثلاث تفاحات، وأمي أعطتني هذا الصباح تفاحة واحدة وضعتها في الحقيبة، فأصبح مجموع ما معي من تفاح أربعا.

وللأسف هذا ما يحدث في كثير من حواراتنا ومناقشاتنا، وبالأخص أولئك المتعصبين لآرائهم وأفكارهم، فهم لا يكتفون بعرضها بل يصرون على فرضها، وكأن استنتاجاتهم حقيقة لا تقبل الخطأ، أو نظرية لا تحتاج إلى إثبات، يدعون الفهم في كل الأمور، اقتصاد وسياسة ورياضة ودين، وعلوم الفضاء والطقس والبراكين، يقول (سوفاوكليس): الرجل النبيه لا يناقش في جميع الموضوعات.

كثير ممن يتشدقون بالتنوير والانفتاح، يمارسون الإقصاء والانغلاق، ينتقدونه في النهار، ويعتنقونه في الليل، إن جئت بالدليل، سألوا عن البديل، وإن ذكرت لهم الأحوال، تحججوا باختلاف الأقوال، يتبعون الشيطان والهوى، فلا برهان يقنعهم، ولا منطق يعجبهم، يجزمون أنهم دائما على صواب، متحزمون بشيء من الجهل والحماقة، وكثير من الكبر والعناد، معرفة الحقيقة ليست غايتهم، والوصول إلى الحق ليس هدفهم، ولو اكتشفوا أنهم على خطأ، فلن يتراجعوا ولن يقدموا الاعتذار، فذلك عندهم خسارة وانكسار.

وسع مداركك وستنتهي معاركك، في أمور الدين، دونك كتاب الله عز وجل، وحديث سيد المرسلين، وفي أمور الدنيا، هون على نفسك، لا تتشدد في قول، ولا تتعصب لرأي، فالمعطيات تتغير، والأحوال تتبدل، والحق له سيف قاطع، مثلما للشمس نور ساطع، لا تطرح جميع آرائك وأفكارك للناس، واحتفظ ببعضها لنفسك، فطبيعي أن تتطور وتتغير، قد تتراجع عن البعض، وتحلق بالبعض عاليا، يقول (جبران خليل جبران): إنك لا تقوى على أسر فكرتي، لأنها حرة كالنسيم السائر في فضاء لا حد له ولا مدى.