المذيع بين الخطأ والإنصاف

السبت - 15 يوليو 2017

Sat - 15 Jul 2017

لا أحصي عدد المرات التي أخطأت فيها عندما كنت مذيعا ومقدم برامج وعلى الهواء مباشرة! فقد أخطأت في أسماء ملوك ورؤساء دول ورفعت المنصوب وكسرت المجزوم ونسيت أسماء ضيوفي في الأستديو ورددت على متصلين بضمير المؤنث لأكتشف أنهم ذكور وتوقف القارئ الآلي أمامي عدة مرات، وتلعثمت وترددت وتصببت عرقا! ومع ذلك كله، فقد كانت أخطائي الوقود الذي زادني شغفا بهذه المهنة والحافز لتجاوز عثراتي دون أن أجلد ذاتي أو أندب حظي.

أستغرب جدا من السخرية التي تعرض لها مذيع القناة الأولى عندما «أخطأ» في نطق مدينة (هامبورغ) مع ربطها بالعاصمة الألمانية، وجعلوا منه لقمة سائغة للتهكم والتندر، ثم شنعوا على القناة ومذيعيها، ومارسوا ضغطا غير مبرر في وسائل التواصل الاجتماعي إلى حد التزوير بأن وزارة الإعلام قد أوقفت المذيع، ليضطر وزير الإعلام نفسه إلى نفي الأمر والتعبير عن تضامنه مع المذيع.

المثير للانتباه هو أن الحملة على المذيع انقسمت بعد تصريح الوزير إلى صنف أعلن تعاطفه مع المذيع، وصنف آخر استمر في الشماتة، ليخفت صوت النقد الهادئ في هذه المعمعة. وهنا أود أن أشير إلى أن الزميل المذيع نعم قد أخطأ، والقصور يغشانا في كل حال، وأيضا نعم نتعاطف ونتضامن معه، لكن علينا أن نعترف بأن مهنة المذيع ومقدم البرامج في السعودية تحتاج إلى مزيد من الرعاية والتأهيل والتدريب.

على الرغم من أنني درست الإذاعة والتلفزيون في الجامعة وتخصصت في هذا القسم، والآن أحاضر فيه، إلا أنني وببالغ الأسف أقول إن كليات وأقسام الإعلام في السعودية ينقصها الكثير، وأنه باستقراء أداء نماذج عديدة لمذيعي الإذاعات والقنوات الحكومية والخاصة في السعودية أستطيع الزعم بأننا في حاجة ماسة إلى تطوير قدراتهم للوصول إلى مستوى من الحرفية والمنافسة الإقليمية والعالمية.

إن كليات وأقسام الإعلام في السعودية يطغى على كثير من موادها الجمود والتنظير والقدم، مع ندرة التطبيق العملي وشح الممارسة. أما ميدان التدريب الإعلامي خارج الجامعات فلم يسلم هو الآخر ممن استغله مطية للتربح المادي على حساب الجودة والتخصص والدراية، فيظن المذيع أن حيازته لمثل هذه الدورات سترفع من شأن سيرته الذاتية، بعد أن صرف لها من حر ماله، وثمين وقته وجهده.

لقد عانيت شخصيا عند تصحيحي لأخطائي كمذيع ومقدم برامج، إلا أنني اقتنعت في نهاية المطاف أن العلاج بيدي وهو في التدريب الذاتي، فعكفت -ولأشهر- على قراءة كتب النحو والصرف لأقوم لساني لغويا، ثم أخذت أقصوصات الأخبار ومقدمات البرامج الحوارية وطبعتها لأقرأها كل يوم وبصوت مرتفع، مع تشكيل أواخر الكلمات، ثم بالتدريج ترك تشكيلها ليتدرب الذهن تلقائيا على معرفة حالاتها الإعرابية، وإذا أشكل علي شيء سألت المختصين عنه وقيدت إجاباتهم، وأما أسماء المدن والبلدان والرؤساء فأحاول كتابتها بالإنجليزية، فمثلا ولاية (ماساتشوستس) في الولايات المتحدة لا يمكنني قراءتها بالتهجئة العربية فأكتبها بالإنجليزية Massachusetts ليكون أسهل في تقسيمها وضبط نطقها، وأخيرا وجدت أن المذيع يحتاج إلى تدريبات عضلات الفكين والشفتين والحنجرة وتمارين التنفس والاسترخاء.

ما قصدته في مقالتي هذه أن مهنة المذيع ومقدم البرامج تعتريها كثير من التحديات والهفوات، وأن التضامن وحده دون الاعتراف بالحاجة إلى التعليم والتدريب المؤسسي والذاتي سيوقعنا في الأخطاء ذاتها مرة أخرى، لذا أكاد أجزم أننا بحاجة إلى مشروع وطني محترف للارتقاء بهذه المهنة فنا وأداء.