الدراما الإذاعية في رمضان

الأربعاء - 05 يوليو 2017

Wed - 05 Jul 2017

عرفت إذاعة جدة منذ نشأتها بتميزها الفريد في مجال الدراما الإذاعية، مما مكنها من استقطاب شريحة عريضة من الجمهور المتيم بسماع البرامج عبر الأثير، حيث تمكنت في غضون سنوات قليلة وعبر مسارات مدروسة من أن تتسيد هذا المجال، كما انفردت بجانب ذلك بأداء الاسكتشات التمثيلية والمونولجات الموجهة للمناسبات الرسمية في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، وقد كان من مدعاة علو كعبها آنذاك مقومات وأسباب عديدة، منها وجود كوكبة من الفنانين أثرى حضورهم رفوف المكتبة الإذاعية بأعمال كثيرة حظيت برضى وقبول واسع استهوى أفئدة الخواص والعوام، من أمثال الفنان فؤاد بخش والفنان عبدالستار صبيحي والفنان سعيد بصيري رحمهم الله جميعا، إضافة إلى الفنان القدير محمد بخش والفنان ناجي طنطاوي والفنانة فريدة عبدالستار والفنان نذار السليماني والفنانة حواء هوساوي.

فمنذ أن بدأت الإذاعة هذا التوجه وإلى عهد قريب استطاعت فرض احترامها على جميع الفئات السنية بمن فيهم كبار السن من الرجال والنساء ضمن فريق عمل متكامل كان قادرا على كسر الجمود المتأصل في الرتم الإذاعي الدارج في الإذاعات، من حيث إتقان الأدوار المسندة إليه ومقدرته على تقمص الأدوار والتعايش مع متطلبات الدور، وهو ما أوعز إلى المهتمين بالتأليف والكتابة لمضاعفة الجهد للحصول على مخرجات أفضل ذات صياغة ومضامين أمثل نوعا وكما.

إلى أن تغير الحال فطفت العشوائية في العمل، مما أدى إلى تذبذب في القيمة وتفاوت في الجودة وشكل بذلك انعطافا حادا للدراما الإذاعية، وما لبثت أن عادت كبوة الجواد للتعافي النسبي، وإن لم تكن العودة كسابق عهدها إلا أنها كانت تشعر المتابع بتحسن الوضع، ظهر ذلك من خلال تحقيق الدراما بعض الجوائز المشجعة على مستوى الوطن العربي، ومن خلال الأعمال الرمضانية التي أخذ دفة إعدادها شخصيات جديدة على الإعداد الإذاعي، وإن كانوا ليسوا بأوجه جديدة إعلاميا.

لا ولن يلام المستمع حين يترحم على دراما الإذاعة لسنوات مضت، فعمل إذاعي رمضاني كبرنامج «كلام على قد الكلام» كان عملا إذاعيا بكل ما تحمله مقاييس العمل الإذاعي في مجال الدراما، ويكفي ما حققه من شهرة غير مسبوقة على المستويين الداخلي والخارجي، هذا إذا ما علمنا بأن دور البطولة فيه اقتصر على شخصيتين فقط هما الفنان سعيد بصيري والفنانة فريدة عبدالستار، وهو ما أدى لنجاح العمل، علاوة على لمسات مخرجه حينها الأستاذ أحمد الأحمدي.

إن العدد المحدود يعد عامل نجاح في الدراما الإذاعية، إذ يفترض ألا يتعدى عدد القائمين بالأدوار خمسة أفراد، يزيد وينقص بفارق واحد، وإلا تشتت فكر المستمع لكثرة المشاركين في العمل، ولن يسعفه حسه في إدراك كامل تفاصيل العمل أو المشاركين فيه، فالعمل الإذاعي بالكاد يختلف كليا عن العمل التلفزيوني، هذا العمل الرمضاني «كلام على قد الكلام» جاوز عمره الـ20 عاما وما زال عالقا في الأذهان إلى اليوم.

بعد أن استعرضنا بعضا من خصال زمن قارب الـ20 عاما نعرج على دراما الإذاعة اليوم، وتحديدا في رمضان هذه السنة، فالحديث هنا ذو شجون، ذلك لما آل إليه مستوى الدراما الإذاعية مقارنة بأعوام خلت، فقد باتت الدراما الإذاعية في رمضان على وجه الخصوص تفتقر لأبسط مقومات العمل الرمضاني، فالحس الإذاعي للدراما في رأيي أصبح معدوما بالكلية، وأرى أن الوجوه الجديدة المؤدية للأدوار غير قادرة على استيعاب الموقف البتة، وتقمص الأدوار مفقود، ومن تنعدم فيه تلك المقومات لن يستطيع إيصال فكرة العمل للمستمع، وكما يقول المثل العامي: الأداء في واد والمؤدي في واد آخر.

إن الزج بمؤدين حديثي عهد بالدراما خطأ جسيم، فعدم امتلاك أبسط مقومات فن الدراما سيحيل العمل لا محالة للفشل، العمل الوحيد الذي يمكنهم فعله هو قراءة النص دون التعايش معه، تلك إهانة بالغة بحق من سبقوهم في هذا المجال، ما على عشاق موجات الأثير إلا الرضى بالموجود لعل الله يحدث أمرا.