حياد هيئة التحكيم

الاحد - 02 يوليو 2017

Sun - 02 Jul 2017

إن الرغبة في اللجوء للتحكيم لحسم المنازعات التجارية تعود في أصلها لأطراف النزاع، خاصة وأن التحكيم إرادة الأطراف الطوعية، حيث يقومون باختيار اللجوء للتحكيم دون غيره من البدائل الأخرى لتسوية النزاع بما في ذلك المحاكم القضائية. وهذه الرغبة يحميها النظام والقوانين التي تمنح التحكيم القوة الضرورية واللازمة لنفاذ وتنفيذ قرار التحكيم النهائي. ولكن، هناك شروط أساسية يجب أن تتوفر حتى يصبح التحكيم نافذا بقوة القانون ويتم تنفيذه وفق المتطلبات السارية.

إن هيئة التحكيم وأعمالها الإجرائية ومدة عملها وكيفية القيام باختيارها وكيفية عزلها ومستحقاتها... كل هذه النقاط تحددها الأنظمة والقوانين في أحكام إلزامية واضحة، وعلى الهيئة الالتزام بهذه الأحكام طيلة فترة عملها حتى صدور القرار النهائي وتسليمه للتنفيذ. وبالطبع، فإن كل هذه الأحكام يجب مراعاتها، حتى يتمكن «التحكيم» من القيام بدوره المنشود في تحقيق العدالة الناجزة التي يتطلع لها أطراف النزاع ويستفيد منها كل المجتمع.

ومن أهم الأحكام الإلزامية الخاصة بالتحكيم، ضرورة حياد «نيوترلاتي» هيئة التحكيم وعدم وجود أي علاقة أو رابط أو تواصل بين كل أعضاء هيئة التحكيم وأطراف النزاع أو موضوع النزاع. ووفق هذه القاعدة الأصولية الجوهرية فإن حياد هيئة التحكيم أمر إلزامي يجب الحرص على توفره وبصورة مطلقة ونهائية.

إن توفر حياد هيئة التحكيم وعدم وجود أي علاقة مع أطراف وموضوع النزاع، أمر هام جدا لأنه يضمن عدم تأثر أعضاء هيئة التحكيم بهذه «العلاقة» التي قد تؤثر أو تلقي بظلالها على أو في القرارات أو القرار النهائي لهيئة التحكيم المنهي للخصومة. والبشر يتأثرون، سلبا أو إيجابا، بهذه العلاقات، ولذا يجب ألا تكون موجودة حتى يتوفر الحياد الذي تنص عليه الأنظمة والقوانين.

من هذا الواقع والقانون، فإن عدم توفر «حياد» هيئة التحكيم أو أحد أعضائها يؤدي إلى «نسف» كل ما قامت به هيئة التحكيم، لأن عدم الحياد التام، ولأي درجة، يقود الطرف المتضرر للتقدم بالطعن لنقض حكم التحكيم. وإذا ثبت عدم توفر حياد أي عضو من هيئة التحكيم، فإن المحكمة المختصة ستقضي ببطلان حكم التحكيم، وفي هذا «نسف» للتحكيم الذي تم، وإهدار للوقت والمال وعدم احترام العدالة بل إعاقتها وامتهانها. وعلى الجميع أن يدرك منذ البداية، أن الطرف المتضرر سيبحث عن كل «قشة» لقصم ظهر البعير، وهذا أمر طبيعي وإجراء تلقائي.

كمبدأ عام، فإن الإعلان عن الحياد يعتبر من المسؤوليات المباشرة لكل عضو من أعضاء هيئة التحكيم. وهذا الإعلان يتم في مرحلة اختيار هيئة التحكيم، حيث يطلب ممن يتم اختياره ليصبح عضوا في هيئة التحكيم، وعند إفادته بالاختيار الإعلان عن عدم وجود أي علاقة ما مع أطراف النزاع أو القضية موضوع النزاع أمام التحكيم. وفي هذه المرحلة الأولية، يجب على هذا العضو تأكيد عدم وجود أي علاقة مهما كانت مما يؤكد حياده التام. وأيضا في الوقت نفسه، على العضو الإفصاح إذا كانت هناك أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بأطراف النزاع أو القضية، وهنا، على أطراف النزاع تقرير السماح له بالعضوية أو عدم السماح له وفق ما يرونه لتحقيق مصالحهم. والأمر هنا يعود لكل حالة على حدة وعلى حسب الظروف المعلن عنها وحسب ظروف الأطراف والقضية.

هنا، وفي هذه اللحظات، يجب على العضو أن يكون أمينا مع نفسه ومع الآخرين وهذه الأمانة تتطلب منه الإفصاح التام وعدم التستر أو الخداع أو التمويه، بل يجب عليه توضيح أي نوع من العلاقة ومهما كانت، وإلا سقطت عنه صفة «الحياد» وعليه تحمل النتائج المترتبة على هذا التصرف غير السليم والبعيد عن المصداقية المهنية. ولا بد من التوضيح، أن العضو ربما يتبين له عدم توفر الحياد وفي أي لحظة في أثناء سير التحكيم، وفي مثل هذه الحالات عليه الإفصاح الفوري عن هذا الوضع لهيئة التحكيم وأطراف النزاع وللدرجة التي تمكنهم من اتخاذ القرار المناسب بخصوص استمراره من عدمه. والأمر يعود لهم وحدهم، وعلى العضو الانصياع لقرارهم في حينه.

اللجوء للتحكيم، كبديل لتسوية المنازعات، يتطلب قمة النزاهة من الجميع - وعلى رأسهم هيئة التحكيم - لأنهم مربط الفرس، وإذا تأثر هذا المربط سينتهي التحكيم وينقطع من أصله ويصبح عديم الفائدة وكأن لم يكن. وعلى أعضاء هيئة التحكيم تحمل المسؤولية التامة ونكران الذات فيما يتعلق بالحياد، ومن الناحية القانونية، فإن الطرف الذي تسبب في إعاقة التحكيم وتقديم معلومات مضللة أو غير صحيحة عليه تحمل النتائج القانونية والمهنية والمجتمعية.. ولا عذر لمن أنذر.