حكاية المرحوم ثامر

الثلاثاء - 13 يونيو 2017

Tue - 13 Jun 2017

ثامر هو شاب صديق لي في بداية العشرينات من عمره وهو صاحب الابتسامة الجميلة، وكلما أود منك الآن يا عزيزي القارئ هو الترحم عليه، فقد كان ضحية خطأ طبي مؤكد ولكن ما هي الحكاية ولماذا كتب هذا الموضوع من أساسه! ثامر – رحمة الله- أراد أن يعمل عملية تكميم قبل زواجه فذهب إلى مستشفى كبير في محافظة جدة وقام بعمل العملية وخرج منها ورجع إلى بيته وحينها أحس بألم في معدته ولم يلبث أن فارق الحياة حتى قبل أن يصل للمستشفى القريب من بيته – وليس الذي عمل فيه العملية - فجاء التقرير بأنه متوفى لسبب غير معلوم مما دفع الجهات الأمنية للتحفظ على الجثة حتى يؤخذ رأي ذويه والتحقق من سبب الوفاة، وهنا بدأت حكاية المقال، حيث تأكد إخوانه بأن وفاة ثامر كانت نتيجة خطأ طبي، فعملية التدبيس لم تكن بالشكل المطلوب مما أدى إلى تسرب حمض الهيدركلوريك - حمض المعدة - إلى خارجها فحصل له التسمم مباشرة، وكان هذا هو كل ما توصلوا إليه في صدمة وفاة أخيهم الشاب صاحب الابتسامة الرائعة والخلق العالي.

بالتأكيد لا يمكن وصف مصابهم الجليل ولا نملك إلا الدعاء لهم بالصبر والسلوان، وفي هذا الظرف العصيب خرج أخوهم برأي سديد بأن تشرح الجثة حتى يتم إثبات خطأ الطبيب الذي عمل العملية ولكن العاطفة الأبوية لدى والد ثامر منعتهم من ذلك، وبعد ثلاثة أيام من الأخذ والعطاء ومحاولة الإخوان إقناع والدهم بتشريح الجثة إلا أن الرفض كان يقابلهم من والدهم حتى قرروا الصلاة عليه في المسجد الحرام ودفنه في مكة المكرمة.

وبمجرد دفن المغفور له بإذن الله تنفس الطبيب الصعداء، وربما استمر في أخطائه الطبية لاحقا، فلا تأمين على مهنته ولا دليل على مجازره طالما أن الأهالي لا يرغبون في تشريح الجثث لذويهم، (وللأمانة فالموضوع صعب نفسيا على ذوي المتوفي)، ولكنه قد ينقذ أرواحا أخرى من أيدي أطباء «جزارين» لا يمتون لمهنة الطب بصلة.

ومن فوائد إثبات الأخطاء الطبية هو أن يزيد عدد الحالات بحالة واحدة – كحالة ثامر- حتى وأن لم تتم محاسبة الطبيب أو المستشفى فإن تلك البيانات تفيد ولا تضر في تحرك الأجهزة المعنية والمؤسسات المدنية ووسائل التواصل الاجتماعي، وأما أن يقفل الموضوع بهذا الشكل فنحن لا نتقدم نحو محاربة «الجزارين» الذين أرى أن مكانهم المناسب هو الملاحم وليست المستشفيات، بل يجب عليهم ترك مهنة الطب النبيلة للمحترفين والمهتمين بالبشرية، وأما الأطباء – التجاريون- الذين يجندلون المرضى لينجزوا أكبر قدر من العمليات في اليوم الواحد (على حساب الجودة) فقد حان الوقت لمحاكمتهم مثلما يحصل في الدول المتطورة، فالأخطاء الطبية هناك تؤدي إلى أن يجد الطبيب نفسه عاطلا عن العمل حيث لا يجد شركة تؤمن عليه، فقضايا الضحايا تكلف شركات التأمين مبلغ طائلة مما يؤدي إلى عدم قبول الأطباء الذين لديهم سوابق بأخطاء طبية. إن مجتمعي بحاجة لمثل تلك الممارسات العالمية وإلى زيادة توعية المجتمع ابتداء من «والد ثامر» وإلى كل فرد في مجتمعنا المتسامح.