أولى العبر

الاثنين - 10 أبريل 2017

Mon - 10 Apr 2017

إن أول ذكر لنبي في القرآن الكريم من حيث تسلسل النزول لم يكن لأبي البشر آدم، ولا لأبي الأنبياء إبراهيم، ولم يكن لأي من أولي العزم من الرسل، عليهم السلام جميعا، بل كان لصاحب الحوت يونس بن متى عليه السلام. والآية التي نزلت في ذكره من سورة القلم «فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادىٰ وهو مكظوم»، وفيها أمر للرسول - صلى الله عليه وسلم - بعدم القيام بما قام به نبي الله يونس، عليه السلام. فيذكر المفسرون أنه بسبب يأسه من دعوة قومه غادر نينوى، وكان مصير ذلك اليأس والإحباط أن التهمه الحوت، لذلك كان دعاؤه «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين»، ففي هذا الدعاء إقرار بالذنب الذي فيه ظلم للنفس. ويستنتج الكثير من هذا الأمر الرباني المبكر أن أولى العبر المستفادة من قصص الأنبياء السابقين نبذ روح اليأس، والإحباط، والدعوة إلى الإيجابية التي هي قيمة أصيلة راسخة في الإسلام.

والإيجابية هي حالة تفاعل وعمل وعطاء وتفاؤل، وهي عكس التشاؤم والبؤس والانهزام. وبما أن لنا في رسولنا - صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، نتذكر كثيرا من مواقفه الإيجابية التي مر بها، ومن أعظمها ما مر به في غزوة الخندق، حين تكالب المشركون واليهود على المسلمين في المدينة، وفي هذه المحنة العظيمة بشرهم - عليه الصلاة والسلام - بنصر قريب على كسرى وفتح بلاد فارس. بهذه الروح الإيجابية صبر المسلمون إلى أن انتصروا على هذا التكتل الكبير، وتخطوا كل العقبات والمصائب التي مروا بها.

الروح الإيجابية روح سائدة في سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وسير بقية العظماء الذين غيروا التاريخ، لذلك نحتاج إلى نشر الإيجابية وتوعية الأجيال الناشئة بأهميتها على الفرد وعلى المجتمع. فعلى صعيد الفردي للإيجابية مردود صحي ونفسي - كما أشار كثير من الدراسات الحديثة، فالشخص الإيجابي لا يعاني الضغوط النفسية والتوترات العصبية كما يعانيها الشخص السلبي، وكذلك صحة وسلامة القلب لها علاقة طردية بالإيجابية. وأما على صعيد المجتمع فالتغيير والتطوير لا يأتي من سلبي يثبط الهمم وينشر الإحباط، بل يأتي من إيجابي يعمل فينجز. وفي مجتمعنا - ولله الحمد- إيجابيون كثر ودورهم ملموس، وكما يقال «إذا خليت خربت»، لذلك علينا جميعا أن نشيد بهم وننضم إليهم.

قفلة:

يقول الله تعالى في سورة هود»وما كان ربك ليهلك القرىٰ بظلم وأهلها مصلحون»، واختار الله كلمة مصلحون، ولم يقل صالحون. دعوة لتأمل هذه الكلمة، فهل يوجد مصلح غير إيجابي؟