الصحوة والتدين الأيديولوجي
الاثنين - 03 أبريل 2017
Mon - 03 Apr 2017
مضى على الناس زمان كان الأب والأم فيه يفرحان جدا حينما يبدو على ابنهما مظاهر الالتزام الديني؛ إذ كان الالتزام آنذاك فاتحة خير للابن، فهو يهذب أخلاقه، ويحمله على البر بوالديه، وصلة الرحم بأقربائه، وحسن الجوار مع أهل حيه، ثم أصبح الوالدان اليوم يتوجسان كثيرا حينما تظهر على الابن مظاهر الالتزام، ويحاول بعض الآباء إبعاد أبنائه عن (التدين) قدر المستطاع، فهل الأب يكره التدين، ولا يريد لأبنائه أن يلتزموا بتعاليم الدين؟ وهل من له موقف من المتدينين اليوم يكره الدين، وله موقف عدائي من الدين نفسه كما يقول بعض المتدينين المتحمسين اليوم؟
الحق أنه ثمة خلطا كبيرا بين (التدين الحقيقي)، و(التدين الأيديولوجي)، فالتدين الحقيقي هو نزوع الفرد لنشدان الخلاص الأخروي، وذلك بالتمسك بتعاليم الدين مع هضم حق النفس، والتواضع للناس، والشفقة عليهم، وحسن التعامل معهم، وطلب الأعذار لمسيئهم، وبذل النفس والمال في خدمة الضعيف واليتيم والمسكين، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والنصيحة برفق وبشاشة مع ستر ما يرى من عيوب الناس، ويكون شعاره قول الرسول صلى الله عليه وسلم «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته»، وجماع القول في المتدين الحقيقي هو من شغل حياته بإصلاح نفسه، ونشدان الخلاص الأخروي.
وأما (التدين الأيديولوجي) فهو تحول الدين لوسيلة من وسائل النفوذ سواء لمذهب أو تيار أو شخص، فيكون التدين أداة صراع على النفوذ في المجتمع، والشاب ينخرط بهذا التدين المزيف دون وعي منه؛ لأن هذا التدين الزائف يكاد يكتسح واقعنا، وهذا ما يفسر تحول فئام من الشباب ممن يظهر عليهم الالتزام الديني إلى شباب ناقمين متوترين؛ ينظرون بعين الريبة إلى المختلفين معهم، ويوزعون الاتهامات بالضلال والفجور ذات اليمن وذات الشمال، ويفجرون في خصومتهم، حتى يصل الأمر ببعضهم أن يفجر نفسه في جموع الناس باسم الدين، أي إن هؤلاء لم ينتقلوا للتدين الحقيقي، بل تحولوا بواسطة التدين الأيديولوجي إلى جنود منخرطين في صراع النفوذ والاستحواذ على المجتمع من قبل فئة، أو تيار، أو شخصية دينية.
والآباء في فطرتهم السليمة إنما يكرهون هذا التدين الأيديولوجي الذي أوصل بعض الشباب إلى الالتحاق بمنظمات التطرف والعنف وتفجير أنفسهم، وبعض ممن لهم موقف من المتدينين إنما هو نابع من موقفهم من هذا التدين الأيديولوجي، وليس من الدين أو التدين الحقيقي، وبسبب عدم تفريق الشباب المتدينين بين نمطي التدين يتصورون أن كل من له موقف من المتدينين إنما هو نابع من موقفه من الدين نفسه. نختم المقال بسؤال عن علاقة الصحوة بـ (التدين الأيديولوجي)؟
في بدايات الصحوة كان الجهد متجها لترسيخ التدين الحقيقي؛ إذ كان يخصص للشباب دروس مكثفة عن الأخلاق وكيفية بر الوالدين وحسن التعامل مع الناس مع حرص على الالتزام بإقامة الشعائر الدينية بطريقة صحيحة بعيدا عن زج الشباب المتدين في صراعات فكرية.
لكن بعد حرب الخليج الأولى تسيس غالب خطاب الصحوة، وتغلبت (الحركية) عليه، والحركة تتطلب الحشد، والتجييش وما يتبعهما من تكييف الخطاب لكسب الأنصار والحط من المخالفين، والمفاصلة معهم، وتتطلب - أيضا - كيفية كسب المواقع في المجتمع، وما يتبع هذا من مناورة تارة، ومهادنة تارة أخرى، وهجوم لفظي تارة ثالثة، وهذه الحركية وما تتطلبه أبعدت عامة خطاب الصحوة الديني عن (التدين الحقيقي)؛ إذ سقط في وحل (التدين الأيديولوجي).
ونتيجة لهذا الخطاب الأيديولوجي المتأزم سقط المتدينون أنفسهم فيما بينهم في هوة الصراع على النفوذ، وانقسموا إلى تيارات أطلقت على بعضها ألقابا للنبز والتحقير مثل (السرورية والجامية، وغلاة الطاعة) يضاف إليها (الإخوان)، ووجودهم سابق على هذه التيارات، ثم انشعبت منها بعد ذلك فرق ابتعدت كثيرا عن الصحوة، ولبست ثوب التطرف ثم آل أمرها إلى العمل العسكري والتفجير كما هو واقع القاعدة وداعش. كل هذا نتيجة من نتائج التدين الأيديولوجي.
الحق أنه ثمة خلطا كبيرا بين (التدين الحقيقي)، و(التدين الأيديولوجي)، فالتدين الحقيقي هو نزوع الفرد لنشدان الخلاص الأخروي، وذلك بالتمسك بتعاليم الدين مع هضم حق النفس، والتواضع للناس، والشفقة عليهم، وحسن التعامل معهم، وطلب الأعذار لمسيئهم، وبذل النفس والمال في خدمة الضعيف واليتيم والمسكين، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والنصيحة برفق وبشاشة مع ستر ما يرى من عيوب الناس، ويكون شعاره قول الرسول صلى الله عليه وسلم «طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس»، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم «طوبى لمن ملك لسانه، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته»، وجماع القول في المتدين الحقيقي هو من شغل حياته بإصلاح نفسه، ونشدان الخلاص الأخروي.
وأما (التدين الأيديولوجي) فهو تحول الدين لوسيلة من وسائل النفوذ سواء لمذهب أو تيار أو شخص، فيكون التدين أداة صراع على النفوذ في المجتمع، والشاب ينخرط بهذا التدين المزيف دون وعي منه؛ لأن هذا التدين الزائف يكاد يكتسح واقعنا، وهذا ما يفسر تحول فئام من الشباب ممن يظهر عليهم الالتزام الديني إلى شباب ناقمين متوترين؛ ينظرون بعين الريبة إلى المختلفين معهم، ويوزعون الاتهامات بالضلال والفجور ذات اليمن وذات الشمال، ويفجرون في خصومتهم، حتى يصل الأمر ببعضهم أن يفجر نفسه في جموع الناس باسم الدين، أي إن هؤلاء لم ينتقلوا للتدين الحقيقي، بل تحولوا بواسطة التدين الأيديولوجي إلى جنود منخرطين في صراع النفوذ والاستحواذ على المجتمع من قبل فئة، أو تيار، أو شخصية دينية.
والآباء في فطرتهم السليمة إنما يكرهون هذا التدين الأيديولوجي الذي أوصل بعض الشباب إلى الالتحاق بمنظمات التطرف والعنف وتفجير أنفسهم، وبعض ممن لهم موقف من المتدينين إنما هو نابع من موقفهم من هذا التدين الأيديولوجي، وليس من الدين أو التدين الحقيقي، وبسبب عدم تفريق الشباب المتدينين بين نمطي التدين يتصورون أن كل من له موقف من المتدينين إنما هو نابع من موقفه من الدين نفسه. نختم المقال بسؤال عن علاقة الصحوة بـ (التدين الأيديولوجي)؟
في بدايات الصحوة كان الجهد متجها لترسيخ التدين الحقيقي؛ إذ كان يخصص للشباب دروس مكثفة عن الأخلاق وكيفية بر الوالدين وحسن التعامل مع الناس مع حرص على الالتزام بإقامة الشعائر الدينية بطريقة صحيحة بعيدا عن زج الشباب المتدين في صراعات فكرية.
لكن بعد حرب الخليج الأولى تسيس غالب خطاب الصحوة، وتغلبت (الحركية) عليه، والحركة تتطلب الحشد، والتجييش وما يتبعهما من تكييف الخطاب لكسب الأنصار والحط من المخالفين، والمفاصلة معهم، وتتطلب - أيضا - كيفية كسب المواقع في المجتمع، وما يتبع هذا من مناورة تارة، ومهادنة تارة أخرى، وهجوم لفظي تارة ثالثة، وهذه الحركية وما تتطلبه أبعدت عامة خطاب الصحوة الديني عن (التدين الحقيقي)؛ إذ سقط في وحل (التدين الأيديولوجي).
ونتيجة لهذا الخطاب الأيديولوجي المتأزم سقط المتدينون أنفسهم فيما بينهم في هوة الصراع على النفوذ، وانقسموا إلى تيارات أطلقت على بعضها ألقابا للنبز والتحقير مثل (السرورية والجامية، وغلاة الطاعة) يضاف إليها (الإخوان)، ووجودهم سابق على هذه التيارات، ثم انشعبت منها بعد ذلك فرق ابتعدت كثيرا عن الصحوة، ولبست ثوب التطرف ثم آل أمرها إلى العمل العسكري والتفجير كما هو واقع القاعدة وداعش. كل هذا نتيجة من نتائج التدين الأيديولوجي.