الشاعر والساحر

السبت - 01 أبريل 2017

Sat - 01 Apr 2017

الشاعر أخو الساحر - من الرضاعة على الأقل - فكلاهما رضع من ثدي واحد، إلا أن في الشاعر رقة لا نجدها في الساحر الجلف الماكر.

كنت أتساءل كثيرا عن هذه الرقة عند الشاعر، ولكن في كل مرة أقف على شفا جرف هار، إلا أنني مع البحث والتقصي وصلت إلى الحقيقة المطلقة التي إن ثارت في الأرض غطى غبارها السماء وحجب الشمس! وهي أن سر هذه الرقة يكمن في (الجنية) الرقيقة الناعمة التي توحي للشاعر الشعر الرقيق الناعم بخلاف الجن العفنة المتمردة الكفرة الفجرة التي توحي إلى الساحر كل شر، فيكون بذلك جلفا ماكرا شريرا!

غير أن الحقيقة التي لا غبار عليها وتثبتها الأدلة والبراهين هي أن بحبوحة عيش الساحر والشاعر لا تكون إلا في الأماكن المظلمة، وتتوسع هذه البحبوحة كلما أعتم الظلام، وتنحسر كلما ظهر النور!

العلم هو العدو اللدود للسحر والشعر، فمما هو ثابت بالحقائق العلمية أن جل السحر مجرد أوهام يزرعها السحرة في رؤوس الجهلة من الناس، وكلما تعلم هؤلاء الناس وتنوروا بنور العلم قل تأثير السحرة عليهم.

وإذا كان هذا الأمر حقيقيا في السحر فهو يصدق على الشعر؛ إذ لا تكاد تجد الجمهور العريض الذي ينبهر بالشعر إلا في البيئات التي يقل فيها العلم وبالأخص علم تحليل الشعر ونقده، فعنفوان الشعر العربي مثلا كان عندما كانت الناس تعرف الشعر والشاعر، ولكنها لا تعرف شيئا عن علم تحليلهما ولا البحث في أدق تفاصيلهما.

وعندما بحث ذلك الشعر وتخصص فيه الدارسون وأصبح له علم وعلماء هتكوا أستاره وكشفوا أسراره وعرضوا ذلك على جماهير الناس وعلموهم إياه، عرفت تلك الجماهير حقيقة الشعر فهان في أعينهم، ولم يعد يغريهم بجديد فعزفوا عنه وتركوه لعلمائه الذين تقمصوا شخصية شعرائه وجماهيره في آن واحد، وسكتوا عن قول حقيقة عزوف الناس عنه حتى لا تبور صنعتهم فيبوروا!

والمحصلة أن كثيرا من الأشياء - ومنها الشعر - كأنها قد كتب لها في القدر ألا تعالج علميا ولا تدرس تفصيليا، وأنه لا بد من أن تكون مجهولة حتى تكون مقبولة.