عبدالغني القش

الموت ولوعاته وإجراءاته وتعقيداته!

الجمعة - 17 مارس 2017

Fri - 17 Mar 2017

أجزم يقينا أن كل من يتعرض لألم الفراق بموت عزيز عليه، سيتعرض بعدها لإجراءات تزيد من ألم المصيبة، فهي معقدة لحد كبير، وأقل ما فيها غموضها وعدم وضوحها، فلا يعلم أهل الميت ما يفترض القيام به.



فبعد الإفاقة من هول المصاب يتساءل المرء ماذا يجب علي أن أفعل، وبطريقة أخرى ما هي الإجراءات التي يفترض اتباعها لكي يوارى جثمان ذلك الفقيد!

وهنا تبدأ سلسلة من الإجراءات العجيبة، والتي يمكن اختصارها بشكل جذري؛ لراحة ذوي المتوفى وعدم التنكيل بهم، فما بهم من آلام اعتصرت قلوبهم تستحق أن تكون كل تلك السلسلة من أوراق ومستندات يسيرة إلى حد كبير.



ولك أن تتخيل مسلسلا تراجيديا تبدأ فصوله من إعلان وفاة المريض، مع أنه توفي في المستشفى، ومع ذلك يطلب من ذويه الذهاب للاستقبال والإبلاغ عن الوفاة، لا تتعجب فالفصول القادمة أكثر عجبا، وربما تجعلك تضع يديك على رأسك من هول ما فيها، وفي التفاصيل أنه إذا كان هناك زمن ولو يسيرا للدفن فإن المستشفى يرفض إتمام الإجراءات ويجعل ذوي المتوفى في حالة من الانتظار البائس، فالمريض ربما توفي عصرا ويراد دفنه فجرا، وحينئذ لا يمكن إتمام الإجراءات إلا بعد الساعة الـ12 ليلا!



أما الأمر الذي يبعث على الذهول فهو أن من الإجراءات أنه بعد دفن المتوفى يحصل ذووه على شهادة «إثبات دفن»، وبعد ذلك يطلب منهم العودة للمستشفى للحصول على مستند يسمى «تبليغ وفاة»!



وحتى يتم استخراج شهادة الوفاة فإن المستندات المطلوبة هي تبليغ الوفاة وإثبات الدفن وهوية المتوفى مع هوية قريب له.

ومع التقدير للأحوال المدنية، لكن التبليغ مع إثبات الدفن يحتاج – في تصوري لإعادة نظر-، فأحدهما قطعا يكفي عن الثاني؛ إذ المطلوب هو إثبات أن الشخص قد توفي.



ويستمر المسلسل في فصوله المحزنة، حيث يتوجب بعد ذلك إصدار صك يسمى «حصر الإرث»، ويتوجب على ذويه الإتيان بشاهدين ومزكيين، ليمثلا أمام أحد القضاة ويدليا بدلوهما، وكأننا نعيش قبل عدة عقود من الزمان، حيث لم يكن للحاسب الآلي أي استخدام آنذاك.

وبمناسبة ذكر الحاسب الآلي فإن مثل هذه الإجراءات تثبت أنه لم يتم استخدامه الاستخدام الأمثل بعد، وإلا فما قيمة وجوده في حين أننا ما زلنا نستخدم الأوراق والمستندات ونجبر على الإتيان بالشهود والمزكين؟!



إن الوضع الذي يعيشه ذوو المتوفى لا يحتمل أدنى درجات التعقيد، والمفترض أن المستشفى الذي تقع فيه حالة وفاة يكون مستخدما للحاسب الآلي، ولا يحتاج لمن يبلغ، ويبقي أهل المتوفى في حالة من الذهاب والعودة؛ فمن خلال الحاسب يتم إبلاغ جميع الإدارات المعنية سواء كان التجهيز، أو الأحوال المدنية وغيرها من الجهات الأمنية وذات العلاقة، فالحاسب يفترض ربطه بالجميع ولا حاجة للتنكيل بذوي المتوفى.



وهي رسالة أبعث بها لكل من له علاقة بذلك، لإعادة دراسة هذه الإجراءات وتبسيطها قدر الإمكان.

وقد كتبت عن هذا المسلسل التراجيدي - الذي يصح أن يطلق عليه عنوان «الموت مصيبة وإجراءاته عصيبة» أو استخدام عنوان المقال في الأعلى - من خلال معايشة له، حيث توفي الثلاثاء قبل الماضي أخي الأكبر التربوي والمربي القدير إبراهيم ناجي القش رحمه الله بعد مرض لم يمهله طويلا، ولا يفوتني أن أشكر كل من واساني من الأحبة، من وزراء وأصحاب معالي وزملاء وأصدقاء وأصفياء، وكذلك الصحف التي تفضلت بنشر الخبر وقامت بالتعزية وأخص منها هذه الصحيفة الغراء وكذلك المدينة وعكاظ والرياض، سائلا المولى أن يجزي الجميع خير الجزاء وألا يريهم مكروها.



[email protected]