حساب المقاولات الوسيط تخفيفا من عبء المحاكم

السبت - 11 مارس 2017

Sat - 11 Mar 2017

قال صاحبي وهو يحاورني: كنت في زيارة لابني المبتعث للدراسة، وخرجت في نزهة فرأيت عمارة شاهقة تحت الإنشاء في موقع مطل على البحر جذبني للوقوف وقراءة الإعلان الكبير في موقع المبنى، وكان دعوة لزيارة الشقة النموذجية المفروشة بعناية لتسويق المبنى للراغبين في الشراء.

وكان العرض مغريا وحضرته مع الذين جذبهم الإعلان مثلي، وبعد الانتهاء استوقفت رجل المبيعات الذي كان يستعد لاستقبال فوج آخر من الحضور، سألته عن الدفعات المطلوبة والالتزام بموعد التسليم وكيف يضمن المشتري الشركة التي تقوم بالتنفيذ حسب المواصفات التي ذكرت في العرض، نظر الرجل إلي قليلا ولكنه أدرك أنني ضيف في البلد، والاحتمال الذي دفعني للسؤال هو أني قد لا أعرف القانون الذي ينظم علاقة المقاول مع المالك في تلك البلاد، فقال موضحا: عندما تستلم الشركة الدفعات من قيمة الشراء المتفق عليها تودع كل المبالغ في حساب وسيط بإشراف البنك، والذي لا يدفعها للشركة (المقاول) إلا إذا تم التنفيذ حسب العقد، وتم التسليم في الموعد ولم يظهر من المشتري أي اعتراض خلال فترة معينة، هذا بالإضافة إلى الضمان من المقاول على المبنى بعد التسليم لمدة ينص عليها القانون.

تنهدت (يقول صاحبي)، وتذكرت ما نحن فيه من غياب لتشريع كهذا يحفظ حق المالك الذي يكون قد دفع تحويشة العمر، خاصة بعد التقاعد، للمقاول وكان عليه أن يفني بقية العمر على أبواب المحاكم، وتذكرت (يقول) كثرة إعلانات المقاولين في شوارعنا حتى إنها ملأت الجدران بالأرقام والوعود، ناهيك عن الشركات الكبرى في مسائل الإعلان الأخرى.

وكثيرا ما تجد المالك مستعجلا يحلم ببيت يؤويه وأولاده وقد بلغوا سن الزواج، وقد أضناه الإيجار، وأتعبه ضيق المسكن الذي يعيش فيه من سنين طويلة مع أسرته التي تكبر كل عام.

وتذكرت كم تعج المحاكم بالقضايا من ملاك طارت أموالهم إلى جيوب مقاولين أغروهم بالكلام المعسول والصور الجذابة عن شكل البيت الموعود، وسرعة التسليم، وجودة التنفيذ، واستعجلوهم في الدفعات بحجة أن فريق العمل جاهز، وأن سرعة العمل تتطلب توفر السيولة لسداد العمال وموردي المواد المطلوبة للمسكن الحلم من حديد وخرسانة وبلاط وأخشاب.

وفي حالات عديدة ينتهي الأمر بأن يتبدل الكلام المعسول والوعود المغرية من المقاول إلى تجاهل وإهمال وعدم تجاوب بعد أن يضمن (حضرته) أكبر مبلغ يمكنه الحصول عليه من المالك الذي تجاوب معه ووثق فيه رغبة في السكن والراحة والفرحة بالأولاد وبأسرع وقت ممكن.

قال صاحبي إن هذا لا ينطبق على جميع المقاولين، ولكن يحدث هذا كثيرا لأنه ممكن جدا في غياب القوانين المطبقة التي تحكم العلاقة بين الطرفين.

والمحاكم لدينا تشهد على عدد كبير من حالات ضاعت فيها أموال الناس وتبخرت آمالهم وذهبت أيامهم سنوات تلو أخرى في انتظار حقوقهم أو بعضها.

والسؤال الآن كيف يمكن للوزارات المعنية أن تترك هذا دون ضبط للعلاقة بين الطرفين تحفظ به حق المالك والمقاول، ولا تترك الالتزام في عقود المقاولات بين صغار الملاك ومؤسسات المقاولات وشركاتها مرهونا بحسن نوايا المقاول أو طيبة المالك.

أضاف صاحبي أن كثيرا من القضايا لا تقف عند ضياع المال والوقت فقط، ولكن سوء التنفيذ وعدم الالتزام بشروط السلامة كذلك، والسبب أن السجلات التجارية لمؤسسات المقاولات تمنح على الرغم من عدم خبرتها وعدم توفر الكوادر الفنية والهندسية لديها، حتى تقلصت الأعمار الافتراضية للمساكن لدينا بين خمس إلى عشر سنوات، وفي ذلك هدر كبير للمال والجهد ومخاطر على سلامة السكان. وأضاف صاحبي أن القانون الأخير الصادر لتنظيم بيع الوحدات السكنية على الخرائط قد يكون بداية مشكورة لحماية أصحاب الأحلام الصغيرة من الملاك، وحتى لا ينقض عليهم من استمرأ الخداع من خلال الثغرات التي يدركها من يضمرون السوء.

ندرك أن كثيرا من المقاولين عرفوا بالنزاهة والأمانة، ولكن يظل الأمر مرهونا بقدر تمسك الشخص بالخوف من الله ثم الحرص على سمعته.

أما من يغريك بمظهره ومعسول كلامه ثم يغلق في وجهك حتى تلفون عمله بعد أن يستولي على مالك، فهو يسرح ويمرح وينشر إعلاناته المغرية بسرعة التنفيذ وجودة العمل ليزيد من ضحاياه يوما بعد يوم، ولدي أمثلة في ذلك من أصدقاء وزملاء ومعارف راحوا ضحية أمثال هؤلاء وتبخرت أحلامهم، وهم اليوم يكتوون بألم الخسارة في الوقت والمال والجهد، ويزيدون من عبء المحاكم والقضاء. ولا حول ولا قوة إلا بالله.