هبة قاضي

هل سيذهب السعوديون للترفيه السعودي؟

دبس الرمان
دبس الرمان

الاحد - 26 فبراير 2017

Sun - 26 Feb 2017

أتجاذب أطراف الحديث مع صديقتي الكاتبة حليمة مظفر، ونتحدث في سعادة عن حفل الموسيقار القدير عمر خيرت الذي سيقام في مدينة جدة في شهر مارس. تخبرني كيف أن رحلة كفاحها المليئة بالعقبات والرفض والتجريح بسبب حبها للمسرح ودفاعها عنه وعن دوره التنويري في مسيرة الشعوب المتحضرة أخيرا بدأت تتكلل ببوادر من انفراج. وها هو الآن المسرح والعروض والموسيقى والفنون تكافح لتنبت في تربة مجتمعاتنا التي اعتادت الجفاف وساد على سطحها العراء من خلال هيئة الترفيه التي تحاول بدأب ونشاط رتق ذلك الشق الواسع من الرفض واعتياد النمطية، باستضافة العروض العالمية والتي آخرها - واعتبرها أجملها - حفل الموسيقار عمر خيرت.



ورغم سعادتنا بالحفل وسعادتنا بهذه النسمة العليلة التي ستحل على سماء مدينتنا، إلا أن الفرحة لم تكتمل بل وتم وأدها عند البعض حين إعلان أسعار التذاكر المبالغ فيها بطريقة غير مقبولة، مقارنة بأسعارها في المدن الأخرى. أنريد للترفيه في بلادنا أن يقتصر على الأغنياء؟ أنريد أن نكرر المأساة في توفير الترفيه ولكن بأسعار أعلى بكثير لتتكرر عبارة (أسافر وأحضر بره أوفر وكمان أغير جو).



هل نحن نحاول حل مشكلة هجرة الترفيه، بتوفيره ولكن بسعر الهجرة إليه. أوليس القادرون على دفع هذه المبالغ أصلا يسافرون ويحضرون هذه الحفلات في الخارج وليسوا في حاجة للحضور إليها هنا؟ عذرا يا هيئة الترفيه ولكنك لا تمتلكين رفاهية التكسب الباذخ الآن، فأمامك من الأولويات والاحتياجات ما هو أهم وأثقل وأكثر جوهرية. فأمامك فئة لم تعتد التعامل مع الفن والجمال بل والأنكى لا تعرف كيف تقدره أو تفهمه لتتأثر به وينعكس على تصرفاتها وتعاملاتها بجعلها أكثر ارتقاء ونماء. أمامك أجيال يافعة نشأت على حرمانية الجمال وبدعية الإبداع، ابتداء من كسر الآلات الموسيقية كجزء من برنامج الترفيه في مسرحيات المدرسة، وانتهاء بتحريم كل محاولات التجديد في الطرح ومواكبة العالم في عرض ثقافتنا وشخصياتنا بطرق حديثة ومبتكرة. أمامك مهمة عظيمة في علاج شعب يعاني الانفصام في الشخصية من حيث إنه يحرم على نفسه كل شيء في داخل حدود بلاده، وكأنما الله لا يوجد إلا بها، ويحلل لنفسه كل شيء خارج حدودها وكأن الله ليس بها. أمامك أولوية احتضان أبنائك من المثقفين، والمبدعين والفنانين والموهوبين الذين تمت محاربتهم وكبت مواهبهم واستحقار توجهاتهم وإنزال أحكام الزندقة والهرطقة عليهم، حتى دفن البعض منهم موهبته ودفن معها شغفه للحياة وجمالا كان سيضفيه على مجتمعه. في حين هاجر البعض الآخر ليسيح في أرض الله بحثا عن بلاد تدرك أن الجمال هو وقود الإبداع، وأن الإبداع هو محرك التطور والنماء.



يا هيئة الترفيه الموقرة استمري ونحن معك. نعم نحن الكتاب والمثقفون والفنانون والمبدعون والمفكرون وكل شخص طبيعي يحب الجمال ويبحث بفطرته عن المتعة والاستمتاع. انطلقي وسنعبد لك الطريق. وكل ما نريده في المقابل هو المزيد من التنوع والمزيد من مساحات البهجة والسعادة في البلاد. كل ما نريده هو أن تفتحي لمواطنيك أبواب المشاركة في الترفيه كما تفتحين للعروض العالمية الأبواب. كل ما نريده هو أكاديميات وكليات تحتضن المواهب وتخرج المحترفين الذين سيصنعون محتوى فريدا وأصيلا من قلب ثقافتنا وفكرنا بأحدث وأعلى المستويات ليتم نشره ووصوله ليس فقط لمجتمعاتنا التي استحوذت عليها المواد الأجنبية ولكن أيضا لكل العالم. وأخيرا والأهم نريد منك أن تعيدي لنا أبناءنا ومواهبنا المهاجرة، ليعودوا ويساعدوك على خلق السعادة في بلادنا، فكفاهم تشتتا، وكفى مجتمعاتنا انفصاما.



[email protected]