سليمان الضحيان

سقوط حلب ومستقبل الشيعة العرب

الأربعاء - 21 ديسمبر 2016

Wed - 21 Dec 2016

باستعراض التاريخ الإسلامي نجد أن الطائفة الشيعية كانت أقلية تعيش في أوساط عموم الأمة، وقد اختلفت علاقتها بالأكثرية وفقا لتنظيرات فقهاء الطائفة، ففي بداية القرن الثاني بدأت المعارضة السياسية الشيعية للسلطة تتحول إلى أيديولوجية دينية، ما لبثت أن تمخض عنها تكون ثلاثة مذاهب شيعية، المذهب الأول المذهب الزيدي، وكان موقفه السياسي من السلطات الحاكمة حادا، إذ يرى وجوب الخروج على الإمام الجائر، وقد نجح المذهب بإقامة بعض الدول في طبرستان، والدولة الأخيضرية في نجد، والبويهية في العراق وفارس، ودولة الأئمة في اليمن.



فتنظير الزيدية بوجوب جهاد أئمة الجور جعلهم في قلب الصراع السياسي، وهذا ما أدى بهم لمواجهة السلطات الحاكمة، وكان مصير هذا كله أن أصبح أتباع المذهب الزيدي قلة، وفي البلاد القصية عن مركز التأثير الحضاري. والمذهب الشيعي الثاني هو المذهب الإسماعيلي، وقد اختار منظرو المذهب الدخول في الصراع السياسي، ونتج عن هذا إقامتهم الدولة الفاطمية، وهي دولة كبيرة تمتد من الجزائر إلى الحجاز والشام، واستطاعوا تشييع قطاع كبير من السكان، ثم ما لبثت أن سقطت على يد صلاح الدين الأيوبي، ونتج عن ذلك أن انحسر التشيع الإسماعيلي إلى بقاع قصية من العالم الإسلامي مع قلة معتنقيه.



ومن قراءة تاريخ الزيدية والإسماعيلية نستنتج أن دخول أتباع هذين المذهبين في الصراع السياسي وإقامة الدول نتج عنه انحسار أتباعهما، أي أن الملاحقة لهم لم تكن بسبب المذهب، بل بسبب المعارضة السياسية. وأما المذهب الشيعي الثالث وهو المذهب الجعفري الإمامي فقد نجح بالبقاء في قلب الحواضر الإسلامية، إذ ظل الشيعة يشكلون نسبة من سكان العراق، في بغداد، والكوفة، والحلة، ونسبة من سكان فارس في طوس وقم، ولهم مدارسهم وتجمعاتهم، وكان لبعض علمائهم حظوة لدى السلطة، فما سبب بقاء الشيعة الجعفرية الإمامية في عصر كانت الدول فيه لا تسمح بوجود أيديولوجية تخالف أيديولوجية الدولة؟



السبب في هذا أن الشيعة الجعفرية اتبعوا نظرية (انتظار الإمام الغائب)، فوفقا لهذه النظرية الانخراط في إدارة المجتمع مؤجل إلى ظهور الإمام الغائب، فلا يجوز - وفقا لهذه النظرية - إقامة دولة، أو العمل العسكري، أو تولي القضاء، أو إقامة صلاة الجمعة إلا مع إمام معصوم، وبما أن الإمام المعصوم في عهد غيبة كبرى فإن كل هذه الأعمال مؤجلة حتى يرجع، ومؤدى هذا كله أن الشيعة الجعفرية انسحبوا من الفضاء العام، وهذا ما جعلهم بعيدين عن التماس مع السلطات الحاكمة، ولم يخالف هذه النظرية إلا الحمدانيون، وهم شيعة إمامية حكموا الشام، وتشيع في دولتهم غالب سكان حلب، ولأنهم انخرطوا في حلبة الصراع السياسي ما لبثت أن انقرضت دولتهم، وانقرض معها وجود المذهب الشيعي في حلب.



وفي تنظير ديني جديد طرح بعض علماء الشيعة الجعفرية نيابة الفقيه عن الإمام المنتظر، وبدأت هذه النظرية في عهد الدولة الصفوية حينما فوض الشيخ الكركي إلى الشاه طهماسب بن إسماعيل الصفوي الولاية الشرعية نيابة عن الإمام المعصوم، وترسخت مع الفقيه الخميني الذي أقام الجمهورية في إيران بناء على هذه النظرية، وهي التي جعلت الشيعة الإمامية ينخرطون بقوة في الفضاء العام، وليس الإشكال في انخراطهم، فهم في بلدانهم مواطنون لهم من الحقوق ما لغيرهم، لكن ما يثير الاستغراب أنهم - وهم الأقلية الصغيرة التي حافظ على وجودها في بحر الأكثرية وجود نظرية الانتظار لديها - قفزت إلى مقدمة القطار، فقد زج بها زعماؤهم السياسيون ليس للمشاركة في الفضاء العام، بل لمحاولة قهر بعض الشعوب كما حصل في لبنان وسوريا، فالميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية تحالفت مع روسيا الأرثوذكسية في الحرب ضد الأكثرية السنية، وهم قد ينتصرون، وتكون لهم الغلبة، لكنهم يظلون أقلية في بحر سني، ومن الحماقة المراهنة على ديمومة دعم الجمهورية الإيرانية، أو الدب الروسي، فالدول زائلة والشعوب باقية، والثأرات تبقى في النفوس مع تقادم العهد، وقديما قال زفر بن الحارث الكلابي:

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى

وتبقى حزازات النفوس كما هيا



[email protected]