الثقافة والترفيه تحت سقف واحد

الأربعاء - 21 ديسمبر 2016

Wed - 21 Dec 2016

قبل نصف قرن نجح فيلسوف التربية البرازيلي (باولو فريري) بتطبيق نظريته في «محو الأمية» بتعليم كبار السن من المزارعين في القرى النائية بشمال البرازيل مبادئ اللغة عبر تعليمهم القراءة والكتابة، وما تزال الأمية المتعلقة بالقراءة والكتابة تمثل مشكلة للمجتمعات العربية، إذ تبلغ نسبة الأميين العرب 19%، وربما تزداد هذه النسبة بعد ويلات «الربيع العربي» المتعددة!



وهذا يعني أن لدينا نوعين من الأمية، أحدهما ثقافي والآخر تعليمي، على الرغم من تعدد مصادر المعرفة في عصرنا الحالي نتيجة الثورة الهائلة في مجال الإعلام والاتصال وتقنية المعلومات، إذ لا يجد التثقيف إقبالا، ولهذا قليلا ما نحظى بمناسبات ترفيهية تخصص جزءا من برامجها للثقافة، وربما يعود ذلك إلى طبيعة الترفيه من جهة، وعدم رغبة مرتادي المهرجانات من العامة بأنشطة لا تتعلق باهتماماتهم، كتخصيص فعاليات للكتاب والمؤلفين لتقرأ أعمالهم من خلال بعض الأنشطة.



فتنمية المعرفة تتجه إلى تسطيحها مع شديد الأسف، ومن ذلك على سبيل المثال تسابق الملتقيات والمنتديات إلى ما يبث فقط في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أصبح بعض «المغردين» من ذوي العدد الهائل من المتابعين محل تركيز وحيد لدى مؤسسات يفترض أن تعنى بالثقافة أكثر من التغريد!



وبما أن المؤسسات الثقافية هي المعنية بفعاليات تنمية الثقافة كمرتكز أساسي لنشاطها، سواء المؤسسات الحكومية والأهلية، فلا يمكن إنكار دورها المهم في ذلك، إلا أن حضور الثقافة في منابر هذه المؤسسات له شكله ومعاييره وجديته، لكنه أصبح حضورا مكررا ومملا، وآن للفعاليات الثقافية أن تحضر بشكل مغاير من خلال الترفيه، ليس بهدف الترفيه ذاته، بل بهدف بث الوعي الثقافي في الفضاء العام.



وفي هذا الصدد، لسنا بعيدين عن مناسبة «اليوم العالمي للغة العربية» التي تم الاحتفاء بها قبل أيام، حيث نشر حساب الأمم المتحدة على تويتر التغريدة التالية «المدخل الحقيقي لرفع مكانة اللغة العربية لا يكمن في كثرة مديحها، بل في كثرة استخدامها»، وكأن هذه العبارة المهمة رد على الطريقة التي احتفى بها العالم العربي في الداخل والخارج باللغة العربية في يومها العالمي عبر الندوات والمحاضرات المملة!



وبما أن الشيء بالشيء يذكر، أتذكر المبادرة اللبنانية الرائعة «إملاء من لبنان» التي دعمتها أكبر المؤسسات الإعلامية اللبنانية، وقدمت جمال اللغة العربية وثراءها من خلال نص يملى على الحضور، ومنهم كتاب، وفنانون، وإعلاميون، ووزراء، وشخصيات عامة، مزجت اللغة العربية بالترفيه، وكان لكل منهم نصيبه من الأخطاء اللغوية والإملائية المضحكة.



ولهذا تعتبر المناسبات العامة كالمهرجانات والفعاليات وعاء يمكن فيه الجمع بين الفعل الثقافي والترفيه، مع ضرورة اختيار المحتوى الملائم للمادة الثقافية الترفيهية المقدمة، سواء للأطفال أو للكبار، وخاصة أن حضور المادة الثقافية في هذه المناسبات أقل بكثير من حضور المادة الإعلانية، ورغم ذلك يمكن المزج بين حضور الثقافة والترفيه في وقت واحد، كمزج الشعر بالموسيقى في ليالي محمود درويش ومارسيل خليفة.



وما تزال الحاجة ماسة لحضور النشاط الثقافي في الترفيه دون تعارض بينهما، كما هو معمول به في بعض المهرجانات الثقافية العالمية التي تحظى بالحضور الثقافي المتميز، توجد فيها فقرات لـ»يوم القراءة الطويلة»، بحيث يقرأ المؤلف أمام الجمهور جزءا من نتاجه الإبداعي، أو يقرأ عنه شخص آخر، ويعتبر معرض فرانكفورت للكتاب رائدا في هذا الصدد بما يمثله من زخم ثقافي وفني، إذ يحضر المهرجون وذوو المواهب الفنية والرياضية لتقديم إبداعاتهم تزامنا مع ختام الإبداعات الثقافية للمعرض، وهكذا يجتمع الترفيه والثقافة تحت سقف واحد.