وحيد الغامدي

المولد النبوي فرصة لتعزيز ثقافة التعايش

الاثنين - 12 ديسمبر 2016

Mon - 12 Dec 2016

كل عام والأمة الإسلامية بخير وسلام واستقرار بمناسبة ذكرى مولده الشريف.



يشتعل الجدل المحلي في كل عام حول قضية المولد النبوي، من حيث جواز الاحتفال به أو عدم جوازه، وكأن كل تلك السنين من التجاذب لم توصل حقيقة واحدة للعقل الجمعي، بكل تنوعاته، وهي أن التعايش لا يشترط اقتناع كل طرف برؤى وتصورات الطرف الآخر، وأن هذه القضايا التي تبلغ من العمر قرونا طويلة لا يمكن حسمها بمجرد المنع أو التحريم أو التبديع أو الاتهام المتبادل، ولكن يمكن بكل سهولة بقاؤها مع إمكانية التعايش مع أطرافها المتنوعة.



شعر البعض بما يشبه الامتعاض من توصيات مؤتمر غروزني قبل أشهر، ولقد كان بودي أن يكون هذا المؤتمر مفيدا لنا في الداخل السعودي لإعادة الكثير من الحسابات حول قضايا التعايش المذهبي، فما هي إلا أشهر قليلة حتى صادقنا بأيدينا على تلك الصورة التي ارتسمت عنا في بقية العالم الإسلامي، ومن يشاهد مواقع التواصل سوف يصدم من كمية الكراهية المبثوثة أثناء نقاش قضية المولد، فإذا لم نكن قادرين على التعايش مع اختلاف فرعي ضمن المذهب السني المشترك فكيف سنتمكن من التعايش مع من هو خارج المذهب فضلا عمن هو خارج الدين بالضرورة؟



قضية التعايش من القضايا التي لا تقبل القسمة على اثنين، وهي عنصر استقرار اجتماعي وأمني يسهم فيه الدعاة والوعاظ ورجال الدين وفق المسؤولية الدينية والوطنية والاجتماعية الملقاة على عواتقهم. ونعني بالتعايش الكف عن التنابز المذهبي أو الديني المتبادل والعيش بسلام في ظل دولة تتكفل بفرض النظام والاستقرار وحماية الجميع، هذا هو التعايش في أبسط صوره، فضلا عن الحديث عن المحبة المفترضة كما يقرها القرآن «ليس عليكم جناح في الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، وهذه هي الغاية الفلسفية التي جاء بها الدين الإسلامي كما يفهمها كل من يمتلئ قلبه بالمحبة والنبل الإنساني الذي لا يحتاج معه إلى أي نوع من الكراهية كي يعيش في هذه الحياة!



يمكن بكل سهولة، في إطار التصحيح الديني المفترض في هذا الزمن، أن يبادر علماء الدين من كل المذاهب بردم الفجوة الهائلة بين الأدبيات المذهبية والاجتهادية وبين الواقع ومتغيراته، فتتوقف لغة التبديع والتكفير بين المسلمين، ولن تكون أبدا خيانة للمذهب أو لتلك الأدبيات، بل ستكون مبادرة شجاعة لإنقاذ المستقبل والأجيال القادمة،ويمكن أيضا في بعض الأحوال اعتبارها ضمن (فقه المقاصد) المعتبر شرعا.



تكمن خطورة الجدل المحلي حول قضية المولد النبوي بالذات، من بين كل القضايا ذات الجدل الفكري أو المذهبي أحيانا، أن هذه القضية قد تنحرف عن سياقها لتتحول إلى تجاذب مناطقي عنصري تدخل فيها النزاعات العرقية لتلعب دورا خطيرا في هذه القضية ذات الأبعاد الثقافية المتجذرة، فالمولد النبوي يعد تقليدا أصيلا في منطقة الحجاز مثلا، وهنا يمكن للجدل أن يأخذ طابعه العنصري أحيانا، كما نشاهده باستمرار على مواقع التواصل، وهذا مما يهدم أهم مقومات التعايش بين أبناء الوطن الواحد.



ولهذا السبب، يجب فرض التعايش فرضا، والأخذ على أيدي كل من يحاول تجزئة هذا الكيان وفق معايير تجاوزها الزمن ولا تخدم الواقع بأي حال، بل هي عبء عليه، ومن هنا أتوجه للدعاة والوعاظ وخطباء الجمعة بمناشدة لفهم المرحلة والكف عن البث الطائفي والمذهبي، وكما تقولون أنتم أنفسكم «ليس كل ما يعرف من الدين يقال للعامة»، فمن هذا الباب نرجوكم أن تعيدوا التأمل فيما يمكن أن يقال للناس وفق فهم جديد ودقيق للواقع ومستجداته ودروسه المحيطة بنا من كل جانب!



[email protected]