الفجوة الأخلاقية في مناهجنا التعليمية
الخميس - 03 نوفمبر 2016
Thu - 03 Nov 2016
في عام 2006 حدث تحول ديموجرافي كبير في التوزيع السكاني على وجه الأرض، حيث تجاوز عدد قاطني المدن عدد من يقطنون القرى. كان لهذا التحول الجلل عظيم الأثر على جميع نواحي الحياة للفرد في المدينة بما في ذلك طريقة التعليم وجودة مخرجاته. فالتعليم الآن في جميع أنحاء العالم - خاصة المتعلق بالمراحل الأولية من حياة الطفل - يواجه العديد من التحديات التي قد تعوق إخراج شخص قادر على التعامل مع هذه الحياة المدنية الجديدة والتي تختلف بشكل كبير عن تلك التي عاصرها الآباء والمعلمون من قبل. والسعودية بلا شك جزء من هذا العالم الذي يواجه هذه المعضلة أيضا.
الحياة المدنية الجديدة أضفت طابعا مختلفا لنمط التواصل بين الأبناء وآبائهم. فالدراسات العلمية الحديثة تشير إلى زيادات معدلات العزلة والتي يمضي فيها الشخص وقته منعزلا عن أفراد أسرته ومن يسكنون بجواره. ويعتقد الباحثون أن هناك عوامل عدة ساهمت في تفاقم هذه المشكلة والتي ظهرت مع المدنية الجديدة. من هذه العوامل: ارتفاع عدد الأمهات العاملات وازدياد ساعات عمل الآباء في الآونة الأخيرة لتلبية متطلبات الحياة المدنية. كما لا يخفى الدور البارز الذي لعبته الأجهزة التقنية كالجوالات والكمبيوترات في إضعاف التواصل بين أفراد العائلة، فلقد زادت نسبة البالغين وأيضا الأطفال الذين يقضون وقتا طويلا في استخدام الانترنت بمعزل عن الآخرين. كذلك ارتفاع معدلات الطلاق - ففي السعودية وصل عدد حالات الطلاق إلى 127 حالة يوميا - ساهم في حدوث شرخ أو حتى انعدام التواصل بين الطفل وأحد والديه أوكليهما. هذا الضعف في التواصل أدى إلى إضعاف عملية التوجيه والإرشاد وخاصة فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي للطفل والذي كانت تمارسه الأسرة بشكل فعال في الفترة ما قبل حدوث التحول الديموجرافي.
مع غياب دور الأسرة في التوجيه الأخلاقي للطفل، وقع عبء هذه المهمة على المدرسة. فقد أدرك الغرب حدوث هذا الخلل مبكرا فسنوا القوانين التي تهدف إلى سد هذه الفجوة الأخلاقية في المناهج التعليمية. فمثلا عام 2003 أصدرت أستراليا القانون العالمي للتعليم الأخلاقي والذي ينص على جعل التعليم الأخلاقي لا يقل أهمية عن التعليم الفني المتعلق بالعلوم الأدبية والطبيعية، وفرضه على المدارس الحكومية والأهلية وإلزام جميع المعلمين به. الآن في المدارس الأسترالية، يتم تكريم الطالب الصادق مثلما يكرم الطالب المتفوق في الرياضيات. ولمنهج تعليم الأخلاق، قامت عدة دراسات لبحث وتعريف الركائز الأساسية للتربية الأخلاقية. فتوصلوا إلى ست ركائز وهي: المصداقية، الاحترام، الشعور أو تحمل المسؤولية، العدل، اللباقة واللطافة في التعامل، وأخيرا الوطنية.
وأوضحت الدراسات أنه يجب ألا يكتفي المعلم بإخبار الطلاب بهذه الركائز أو طلب تسميعها في الامتحان الفصلي. فمثلا لا يجوز أن يطلب المعلم من الطالب أن يكون محترما بشكل لفظي فقط، بل يجب عليه أن يخلق تصورا واضحا عن معنى هذه الصفة من خلال تقديم نموذج حركي يترجم هذه الصفة إلى أفعال يستطيع الطالب أن يفهمها وينفذها. كما يجب أن يكون هذا النموذج متلائما مع بيئة الطالب ومتوافقا مع ميوله وأحلامه المستقبلية. فمثلا إذا كانت البيئة المدرسية تعاني من مشكلة الفوضى وعدم التزام الطلاب بالدور أو الطابور عند الشراء من الكفتيريا، فيجب على المعلم ربط ركيزة الاحترام مع مفهوم احترام الطابور. مثال آخر، إذا كان الطالب يطمح بأن يكون طبيبا، فيجب على المعلم ربط مفهوم الاحترام لدى هذا الطفل بفعل ما يناسب عمله كطبيب كحسن الاستماع لشكوى المريض. ولتعزيز هذا السلوك، يجب أن يُكرم الطالب أمام زملائه ويمتدح صنيع فعله بطريقة تجعله قدوة لزملائه. وقس على هذين المثالين بقية الركائز. لذا نجد هذا النظام التعليمي الأخلاقي في الغرب أنتج المعلم المتفاني في عمله، الطبيب الواعي بحالة مريضه، الزبون الملتزم بالطابور أثناء تسوقه أو طلبه من المطعم، الموظف المنجز لمعاملات مراجعيه، إلى آخره.
أما في السعودية، فقبل وبعد أن سقطت “التربية” من اسم وزارة التربية والتعليم، كان وما زال التركيز على تغذية الطفل ذهنيا أكثر منه على تغذيته أخلاقيا. فالمناهج التعليمية تفتقر إلى استراتيجيات لتعزيز هذه الركائز الأخلاقية الأساسية لدى الطفل. فلم أسمع يوما عن طالب تم تكريمه لأنه لم يغش في الامتحان، أو طالبة لأنها ساعدت صديقتها في حل مشكلة ما، أو طالب رمى مخلفات وجبة إفطاره في سلة المهملات، إلى آخره.. ولكني أسمع كثيرا عن طالبة حصلت على نجمة الأسبوع لأنها أنجزت جميع واجباتها المدرسية، وسمعت عن ملكة الرياضيات لتفوقها في حفظ جدول الضرب، أو طالب متفوق في العلوم أو التعبير أو الرسم. سمعت أيضا عن برامج لدعم الموهوبين في شتى المجالات. كل هذا جيد ومطلوب ولكنه ناقص وفكر أجوف. الخلاصة، يجب أن يتم إعادة هيكلة التصور للتعليم الفعال في السعودية بما يسد الفجوة الأخلاقية التي أحدثها ضعف التواصل الأسري بين أفراد العائلة والذي خلفته هذه المدنية الجديدة.
الحياة المدنية الجديدة أضفت طابعا مختلفا لنمط التواصل بين الأبناء وآبائهم. فالدراسات العلمية الحديثة تشير إلى زيادات معدلات العزلة والتي يمضي فيها الشخص وقته منعزلا عن أفراد أسرته ومن يسكنون بجواره. ويعتقد الباحثون أن هناك عوامل عدة ساهمت في تفاقم هذه المشكلة والتي ظهرت مع المدنية الجديدة. من هذه العوامل: ارتفاع عدد الأمهات العاملات وازدياد ساعات عمل الآباء في الآونة الأخيرة لتلبية متطلبات الحياة المدنية. كما لا يخفى الدور البارز الذي لعبته الأجهزة التقنية كالجوالات والكمبيوترات في إضعاف التواصل بين أفراد العائلة، فلقد زادت نسبة البالغين وأيضا الأطفال الذين يقضون وقتا طويلا في استخدام الانترنت بمعزل عن الآخرين. كذلك ارتفاع معدلات الطلاق - ففي السعودية وصل عدد حالات الطلاق إلى 127 حالة يوميا - ساهم في حدوث شرخ أو حتى انعدام التواصل بين الطفل وأحد والديه أوكليهما. هذا الضعف في التواصل أدى إلى إضعاف عملية التوجيه والإرشاد وخاصة فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي للطفل والذي كانت تمارسه الأسرة بشكل فعال في الفترة ما قبل حدوث التحول الديموجرافي.
مع غياب دور الأسرة في التوجيه الأخلاقي للطفل، وقع عبء هذه المهمة على المدرسة. فقد أدرك الغرب حدوث هذا الخلل مبكرا فسنوا القوانين التي تهدف إلى سد هذه الفجوة الأخلاقية في المناهج التعليمية. فمثلا عام 2003 أصدرت أستراليا القانون العالمي للتعليم الأخلاقي والذي ينص على جعل التعليم الأخلاقي لا يقل أهمية عن التعليم الفني المتعلق بالعلوم الأدبية والطبيعية، وفرضه على المدارس الحكومية والأهلية وإلزام جميع المعلمين به. الآن في المدارس الأسترالية، يتم تكريم الطالب الصادق مثلما يكرم الطالب المتفوق في الرياضيات. ولمنهج تعليم الأخلاق، قامت عدة دراسات لبحث وتعريف الركائز الأساسية للتربية الأخلاقية. فتوصلوا إلى ست ركائز وهي: المصداقية، الاحترام، الشعور أو تحمل المسؤولية، العدل، اللباقة واللطافة في التعامل، وأخيرا الوطنية.
وأوضحت الدراسات أنه يجب ألا يكتفي المعلم بإخبار الطلاب بهذه الركائز أو طلب تسميعها في الامتحان الفصلي. فمثلا لا يجوز أن يطلب المعلم من الطالب أن يكون محترما بشكل لفظي فقط، بل يجب عليه أن يخلق تصورا واضحا عن معنى هذه الصفة من خلال تقديم نموذج حركي يترجم هذه الصفة إلى أفعال يستطيع الطالب أن يفهمها وينفذها. كما يجب أن يكون هذا النموذج متلائما مع بيئة الطالب ومتوافقا مع ميوله وأحلامه المستقبلية. فمثلا إذا كانت البيئة المدرسية تعاني من مشكلة الفوضى وعدم التزام الطلاب بالدور أو الطابور عند الشراء من الكفتيريا، فيجب على المعلم ربط ركيزة الاحترام مع مفهوم احترام الطابور. مثال آخر، إذا كان الطالب يطمح بأن يكون طبيبا، فيجب على المعلم ربط مفهوم الاحترام لدى هذا الطفل بفعل ما يناسب عمله كطبيب كحسن الاستماع لشكوى المريض. ولتعزيز هذا السلوك، يجب أن يُكرم الطالب أمام زملائه ويمتدح صنيع فعله بطريقة تجعله قدوة لزملائه. وقس على هذين المثالين بقية الركائز. لذا نجد هذا النظام التعليمي الأخلاقي في الغرب أنتج المعلم المتفاني في عمله، الطبيب الواعي بحالة مريضه، الزبون الملتزم بالطابور أثناء تسوقه أو طلبه من المطعم، الموظف المنجز لمعاملات مراجعيه، إلى آخره.
أما في السعودية، فقبل وبعد أن سقطت “التربية” من اسم وزارة التربية والتعليم، كان وما زال التركيز على تغذية الطفل ذهنيا أكثر منه على تغذيته أخلاقيا. فالمناهج التعليمية تفتقر إلى استراتيجيات لتعزيز هذه الركائز الأخلاقية الأساسية لدى الطفل. فلم أسمع يوما عن طالب تم تكريمه لأنه لم يغش في الامتحان، أو طالبة لأنها ساعدت صديقتها في حل مشكلة ما، أو طالب رمى مخلفات وجبة إفطاره في سلة المهملات، إلى آخره.. ولكني أسمع كثيرا عن طالبة حصلت على نجمة الأسبوع لأنها أنجزت جميع واجباتها المدرسية، وسمعت عن ملكة الرياضيات لتفوقها في حفظ جدول الضرب، أو طالب متفوق في العلوم أو التعبير أو الرسم. سمعت أيضا عن برامج لدعم الموهوبين في شتى المجالات. كل هذا جيد ومطلوب ولكنه ناقص وفكر أجوف. الخلاصة، يجب أن يتم إعادة هيكلة التصور للتعليم الفعال في السعودية بما يسد الفجوة الأخلاقية التي أحدثها ضعف التواصل الأسري بين أفراد العائلة والذي خلفته هذه المدنية الجديدة.