تشويه سمعة بالمجان!
الاثنين - 24 أكتوبر 2016
Mon - 24 Oct 2016
يتصدر المشهد في الصحافة الغربية هذه الأيام تصريحات وزير الخدمة المدنية حول ضعف إنتاجية الموظف السعودي، وأنها لا تتجاوز ساعة في اليوم، وتصريح نائب وزير الاقتصاد والتخطيط حول إفلاس السعودية خلال ثلاث سنوات لو لم تتخذ الإجراءات التي أحضرهم داود الشريان من أجل الدفاع والمنافحة عنها.
فصحيفة التايمز البريطانية حملت صحفتها الأولى العنوان التالي: «Lazy Saudis are on brink of bankruptcy» (السعوديون الكسالى على حافة الإفلاس)، فيما حمل موقع CNN Money عنوانا آخر لا يقل إساءة عن سابقه «How many Saudi are only working one hour a day» (كم سعودي يعمل سوى ساعة واحدة في اليوم)، لتصبح السعودية مادة دسمة للشرق والغرب ببركات هذه التصريحات التي لا تستند على معطيات علمية واقعية، بل هي مجرد افتراضات وتخمينات لتبرير إجراءات إلغاء بعض البدلات والعلاوات لموظفي القطاع العام.
فالتهديد بإفلاس الدولة التي تنام على احتياطات نفطية تقدر بنحو 267 مليار برميل، وتبلغ احتياطاتها من الغاز القابل للاستخراج نحو 300 تريليون قدم مكعب، تتجاوز أسعارها بتقديرات اليوم نحو41 تريليون ريال، لا يمكن تصديق إفلاسها بهذه السهولة، لكنها وجدت من يحتفي بها عالميا ويروج لها إعلاميا. وإذا اقترضنا أن نائب وزير التخطيط والاقتصاد خانه التعبير، وأنه كان يقصد استنزاف الاحتياطات المالية لدى مؤسسة النقد، فاللوم في ذلك يقع على من كان يجاوره في الطاولة ذاته «وزير المالية» الذي كان يرفض فكرة إنشاء صندوق سيادي استثماري طوال سبع عشر عاما مضت منذ توليه حقيبة المالية، وليس المواطن أو الموظف الذي لا حيلة له ولا قوة في ذلك.
كما أن الدراسة التي اعتمد عليها وزير الخدمة المدنية حول إنتاجية الموظف السعودي تنقصها الرصانة والدقة العلمية، وطالها كثير من النقد والطعن في منهجيته منذ صدورها حتى يومنا هذا، لكنها وافقت هواه، واعتبرها مسلمة علمية لا تقبل الطعن، وهو الآتي من القطاع الخاص حاملا معه الإرث السلبي عن إنتاجية الموظف الحكومي، فاكتفى بذلك دون أن يتطرق إلى سلبية بيئة القطاع الحكومي، وأثرها على إنتاجية الموظف.
على أي حال، ما ذكر في الحلقة كان تشويه سمعة بالمجان للاقتصاد وللموظف السعودي، ومؤشرات سلبية ستؤخذ بعين الاعتبار عن دراسة السوق السعودية من قبل الدول والشركات الراغبة في الاستثمار، وتجعل الشركات الأجنبية تعزف عن توظيف السعوديين لضعف إنتاجيتهم، كما أنها هدمت الصورة الذهنية التي بنيت حول متانة الاقتصاد السعودي في بضع دقائق، لأنها لم تأت من محلل اقتصادي أو كاتب أو مواطن بسيط، بل وردت على ألسنة وزراء في الاقتصاد والمال والخدمة المدنية.
والصورة السوداوية التي رسمها المتحدثون عن الموظف والاقتصاد كلها تدور في فلك أن المواطن – في نظر الوزراء، ومن في حكمهم - سبب نكبة الاقتصاد والبلاد والعباد، وعليه أن يتحمل أخطاء السياسة المالية والإدارية، وهو المشجب الذي يعلق عليه المسؤول فشله، وكنت أتمنى منذ عشر سنوات أن توجد لدى المسؤول الشجاعة الكافية في حال عجزه وعدم قدرته على أداء المهمة التي كلف بها أن يعترف بعجزه، وأن يقدم استقالته لا أن يحمل فشله على المواطن.
والأسلوب الذي انتهجه ضيوف حلقة الثامنة ينطبق عليه «هدده بالمرض ليرضى بالحمى»، فالتهديد بإفلاس الدولة، وضعف إنتاجية الموظف وأن ما يصرف له من راتب يفوق ساعات عمله الحقيقية ستجعله يقبل إلغاء البدلات والعلاوات خوفا من القادم المجهول، وفات عليهم أن وعي المواطن السعودي تغير كثيرا عما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأصبح أكثر اطلاعا ووعيا، ولم يعد يقبل بالطرح غير الموضوعي، والشفافية المختزلة التي تحمله أخطاء فشل المسؤول في إحداث التغيير، وتحقيق الأهداف التي تم تكليفه وزيرا من أجل تحقيقها.
أخلص إلى أن تصريحات وزير المالية، ووزير الخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط مالت إلى المبالغة أكثر من الواقعية، وافتقدت للموضوعية، وضررها في تشوية السمعة متعد للمكانة الوظيفية التي يتبوآنها، والاحتفاء العالمي بها سيؤثر كثيرا على سمعة المملكة الاقتصادية، وسمعة الموظف السعودي.
[email protected]
فصحيفة التايمز البريطانية حملت صحفتها الأولى العنوان التالي: «Lazy Saudis are on brink of bankruptcy» (السعوديون الكسالى على حافة الإفلاس)، فيما حمل موقع CNN Money عنوانا آخر لا يقل إساءة عن سابقه «How many Saudi are only working one hour a day» (كم سعودي يعمل سوى ساعة واحدة في اليوم)، لتصبح السعودية مادة دسمة للشرق والغرب ببركات هذه التصريحات التي لا تستند على معطيات علمية واقعية، بل هي مجرد افتراضات وتخمينات لتبرير إجراءات إلغاء بعض البدلات والعلاوات لموظفي القطاع العام.
فالتهديد بإفلاس الدولة التي تنام على احتياطات نفطية تقدر بنحو 267 مليار برميل، وتبلغ احتياطاتها من الغاز القابل للاستخراج نحو 300 تريليون قدم مكعب، تتجاوز أسعارها بتقديرات اليوم نحو41 تريليون ريال، لا يمكن تصديق إفلاسها بهذه السهولة، لكنها وجدت من يحتفي بها عالميا ويروج لها إعلاميا. وإذا اقترضنا أن نائب وزير التخطيط والاقتصاد خانه التعبير، وأنه كان يقصد استنزاف الاحتياطات المالية لدى مؤسسة النقد، فاللوم في ذلك يقع على من كان يجاوره في الطاولة ذاته «وزير المالية» الذي كان يرفض فكرة إنشاء صندوق سيادي استثماري طوال سبع عشر عاما مضت منذ توليه حقيبة المالية، وليس المواطن أو الموظف الذي لا حيلة له ولا قوة في ذلك.
كما أن الدراسة التي اعتمد عليها وزير الخدمة المدنية حول إنتاجية الموظف السعودي تنقصها الرصانة والدقة العلمية، وطالها كثير من النقد والطعن في منهجيته منذ صدورها حتى يومنا هذا، لكنها وافقت هواه، واعتبرها مسلمة علمية لا تقبل الطعن، وهو الآتي من القطاع الخاص حاملا معه الإرث السلبي عن إنتاجية الموظف الحكومي، فاكتفى بذلك دون أن يتطرق إلى سلبية بيئة القطاع الحكومي، وأثرها على إنتاجية الموظف.
على أي حال، ما ذكر في الحلقة كان تشويه سمعة بالمجان للاقتصاد وللموظف السعودي، ومؤشرات سلبية ستؤخذ بعين الاعتبار عن دراسة السوق السعودية من قبل الدول والشركات الراغبة في الاستثمار، وتجعل الشركات الأجنبية تعزف عن توظيف السعوديين لضعف إنتاجيتهم، كما أنها هدمت الصورة الذهنية التي بنيت حول متانة الاقتصاد السعودي في بضع دقائق، لأنها لم تأت من محلل اقتصادي أو كاتب أو مواطن بسيط، بل وردت على ألسنة وزراء في الاقتصاد والمال والخدمة المدنية.
والصورة السوداوية التي رسمها المتحدثون عن الموظف والاقتصاد كلها تدور في فلك أن المواطن – في نظر الوزراء، ومن في حكمهم - سبب نكبة الاقتصاد والبلاد والعباد، وعليه أن يتحمل أخطاء السياسة المالية والإدارية، وهو المشجب الذي يعلق عليه المسؤول فشله، وكنت أتمنى منذ عشر سنوات أن توجد لدى المسؤول الشجاعة الكافية في حال عجزه وعدم قدرته على أداء المهمة التي كلف بها أن يعترف بعجزه، وأن يقدم استقالته لا أن يحمل فشله على المواطن.
والأسلوب الذي انتهجه ضيوف حلقة الثامنة ينطبق عليه «هدده بالمرض ليرضى بالحمى»، فالتهديد بإفلاس الدولة، وضعف إنتاجية الموظف وأن ما يصرف له من راتب يفوق ساعات عمله الحقيقية ستجعله يقبل إلغاء البدلات والعلاوات خوفا من القادم المجهول، وفات عليهم أن وعي المواطن السعودي تغير كثيرا عما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأصبح أكثر اطلاعا ووعيا، ولم يعد يقبل بالطرح غير الموضوعي، والشفافية المختزلة التي تحمله أخطاء فشل المسؤول في إحداث التغيير، وتحقيق الأهداف التي تم تكليفه وزيرا من أجل تحقيقها.
أخلص إلى أن تصريحات وزير المالية، ووزير الخدمة المدنية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط مالت إلى المبالغة أكثر من الواقعية، وافتقدت للموضوعية، وضررها في تشوية السمعة متعد للمكانة الوظيفية التي يتبوآنها، والاحتفاء العالمي بها سيؤثر كثيرا على سمعة المملكة الاقتصادية، وسمعة الموظف السعودي.
[email protected]