هوامش على ولاية الرجل على المرأة
الأربعاء - 28 سبتمبر 2016
Wed - 28 Sep 2016
من أعقد الأمور في مجتمعنا قضية المرأة؛ لأن المرأة في المخيال الشعبي لدينا لا تمثل نفسها فقط، بل هي تمثل الأسرة والعشيرة والقبيلة، وتمثل الشرف والعرض، ولهذا فليس ما يحكم قضية المرأة هو تعاليم الدين فقط، بل إن ما يحكمها خليط من تعاليم الدين، ومن عادات، وتقاليد، وأعراف، وهذا كله أدى لتعقيد قضيتها، وجعل أي قضية من قضايا المرأة تثار لدينا تتحول إلى حرب اتهامات وتصنيفات.
وكل دعوة إلى معالجة قضية من قضايا المرأة لا تراعي ظروف المجتمع هي في الحقيقة أشبه بطاحونة تدور من دون حبوب، فثمة بون شاسع جدا بين ما تؤمن به بعض الداعيات لحقوق المرأة ويطالبن به، وما يمكن تطبيقه في المجتمع. ولهذا فإن الحصافة تقتضي أن تكون المطالبة - على الأقل - خاضعة للحد الأدنى من مواضعات المجتمع؛ لتجد لها أنصارا، وتكون قابلة للتنفيذ، ولعل المطالبة بإسقاط ولاية الرجل على المرأة نموذج على ذلك، فمع وجاهة المطالبة بإسقاط كثير جدا من جوانب الولاية إلا أن طرحها على أنها مطالبة باجتثاث كل ولاية للرجل على أي جانب من جوانب حياة المرأة نتج عنه أمران، الأمر الأول: جعل الأغلبية الساحقة من الرجال وكثير من النساء ضد تلك المطالبة؛ لأنهم يرونها تمس بعض أمور الدين، والأمر الثاني: جعل المطالبة نفسها غير واقعية؛ لأنه على فرض إسقاط كل ولاية، فالمجتمع لم يتهيأ لذلك من حيث وضعية المرأة، وطريقة عيشها، والتعامل معها، والظروف التي تؤهل المرأة للاستقلال بولاية نفسها.
أعود لحديث الولاية، والتفصيل في ما يحسن المطالبة بإسقاطه، القارئ لواقع المرأة لدينا يجد معاناة النساء من أمرين، الأول: أن هناك أنظمة قيدت نشاط المرأة بموافقة ولي الأمر، وهذا ما أدى إلى العسر والتضييق على المرأة، وهذا ما يحسن المطالبة بتصحيحه، فهو أمر قانوني قابل للتعديل والإلغاء، مثله مثل أي قانون تنظيمي. والأمر الثاني: أن بعضا من النساء - وهن لسن بالقليلات - يعانين من تسلط الرجل عليهن بهضم حقوقهن وحرمانهن من حقوق كثيرة، والمتتبع لمقولات من له وظيفة لها تماس مع واقع المرأة يقف على ذلك، فهذا د. عبدالله السبيعي - وهو طبيب نفسي - يقول من واقع تجربة: «كل يوم أعمل فيه في الطب النفسي، أزداد يقينا بأن المرأة في مجتمعنا يقع عليها ظلم عظيم.
إنها والله مآس لا يتصور أن تقع في مجتمع مسلم»، ويقول المحامي سعد الزهراني «الرأس يشيب إثر القضايا التي تتعلق بتعسف الولي، نتيجة الولاية المطلقة التي يتم في كثير منها حبس المرأة خلف الأبواب»، أي: أن ثمة ظلما عظيما يقع على المرأة من الرجل، والسبب في هذا أن كثيرا من حقوقها تركت تحت رحمة الرجل، فهي خاضعة لتقدير الرجل، والرجال يختلفون في فهمهم للدين، وفي أخلاقهم، وفي طرق تفكيرهم، وفي طرائق تعاملهم، وكل هذا يقع تحت ذريعة (القوامة)، و(الولاية)، وكثيرون لا يفرقون بين القوامة والولاية، فالولاية إنما هي خاصة بعقد الزواج فقط، وقد صرح عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع بهذا في حديث لصحيفة عكاظ عدد (5562)، حيث قال «المرأة ولية نفسها في كافة أمور حياتها، ولا ولاية عليها إلا في النكاح، ولها مثل ما للرجل من حقوق»، وما عدا هذا فلا ولاية للرجل عليها، فهي ولية نفسها في مالها تتصرف فيه كما تشاء بيعا، وشراء، وتصدقا، وهدية، وإقراضا، وإجارة، ولا تحتاج إلى إذن أحد كائنا من كان، ويجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره، ويجوز للأم ولاية مال أولادها الصغار، وغير ذلك من التصرفات التي تثبت أهليتها للولاية.
وأما (القوامة) فهي خاصة في شؤون إدارة الأسرة، ولا تتضمن إلغاء شخصية المرأة واضطهادها، وإهدار كرامتها، ومنعها حقوقها، بل هي قوامة بالمعروف، كما قال تعالى «وعاشروهن بالمعروف»، قال ابن كثير «أي: طيبوا أقوالَكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله..، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». فالقوامة مسؤولية أسرية تنظيمية، وهي في صالح الأسرة، وتربية الأبناء، والمطالبة في هذا الشأن يجب أن تنحو منحى سن القوانين الرادعة ضد من يسيء القوامة في أسرته بمنع بناته أو زوجته من حقوقهن، وعدم ترك ذلك لتقدير الزوج وثقافته وفهمه، فالناس تردعهم الأنظمة والقوانين أكثر من المواعظ، وقديما قال عثمان بن عفان «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
[email protected]
وكل دعوة إلى معالجة قضية من قضايا المرأة لا تراعي ظروف المجتمع هي في الحقيقة أشبه بطاحونة تدور من دون حبوب، فثمة بون شاسع جدا بين ما تؤمن به بعض الداعيات لحقوق المرأة ويطالبن به، وما يمكن تطبيقه في المجتمع. ولهذا فإن الحصافة تقتضي أن تكون المطالبة - على الأقل - خاضعة للحد الأدنى من مواضعات المجتمع؛ لتجد لها أنصارا، وتكون قابلة للتنفيذ، ولعل المطالبة بإسقاط ولاية الرجل على المرأة نموذج على ذلك، فمع وجاهة المطالبة بإسقاط كثير جدا من جوانب الولاية إلا أن طرحها على أنها مطالبة باجتثاث كل ولاية للرجل على أي جانب من جوانب حياة المرأة نتج عنه أمران، الأمر الأول: جعل الأغلبية الساحقة من الرجال وكثير من النساء ضد تلك المطالبة؛ لأنهم يرونها تمس بعض أمور الدين، والأمر الثاني: جعل المطالبة نفسها غير واقعية؛ لأنه على فرض إسقاط كل ولاية، فالمجتمع لم يتهيأ لذلك من حيث وضعية المرأة، وطريقة عيشها، والتعامل معها، والظروف التي تؤهل المرأة للاستقلال بولاية نفسها.
أعود لحديث الولاية، والتفصيل في ما يحسن المطالبة بإسقاطه، القارئ لواقع المرأة لدينا يجد معاناة النساء من أمرين، الأول: أن هناك أنظمة قيدت نشاط المرأة بموافقة ولي الأمر، وهذا ما أدى إلى العسر والتضييق على المرأة، وهذا ما يحسن المطالبة بتصحيحه، فهو أمر قانوني قابل للتعديل والإلغاء، مثله مثل أي قانون تنظيمي. والأمر الثاني: أن بعضا من النساء - وهن لسن بالقليلات - يعانين من تسلط الرجل عليهن بهضم حقوقهن وحرمانهن من حقوق كثيرة، والمتتبع لمقولات من له وظيفة لها تماس مع واقع المرأة يقف على ذلك، فهذا د. عبدالله السبيعي - وهو طبيب نفسي - يقول من واقع تجربة: «كل يوم أعمل فيه في الطب النفسي، أزداد يقينا بأن المرأة في مجتمعنا يقع عليها ظلم عظيم.
إنها والله مآس لا يتصور أن تقع في مجتمع مسلم»، ويقول المحامي سعد الزهراني «الرأس يشيب إثر القضايا التي تتعلق بتعسف الولي، نتيجة الولاية المطلقة التي يتم في كثير منها حبس المرأة خلف الأبواب»، أي: أن ثمة ظلما عظيما يقع على المرأة من الرجل، والسبب في هذا أن كثيرا من حقوقها تركت تحت رحمة الرجل، فهي خاضعة لتقدير الرجل، والرجال يختلفون في فهمهم للدين، وفي أخلاقهم، وفي طرق تفكيرهم، وفي طرائق تعاملهم، وكل هذا يقع تحت ذريعة (القوامة)، و(الولاية)، وكثيرون لا يفرقون بين القوامة والولاية، فالولاية إنما هي خاصة بعقد الزواج فقط، وقد صرح عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع بهذا في حديث لصحيفة عكاظ عدد (5562)، حيث قال «المرأة ولية نفسها في كافة أمور حياتها، ولا ولاية عليها إلا في النكاح، ولها مثل ما للرجل من حقوق»، وما عدا هذا فلا ولاية للرجل عليها، فهي ولية نفسها في مالها تتصرف فيه كما تشاء بيعا، وشراء، وتصدقا، وهدية، وإقراضا، وإجارة، ولا تحتاج إلى إذن أحد كائنا من كان، ويجوز للمرأة أن تتصرف في مال أولادها من أكل وغيره، ويجوز للأم ولاية مال أولادها الصغار، وغير ذلك من التصرفات التي تثبت أهليتها للولاية.
وأما (القوامة) فهي خاصة في شؤون إدارة الأسرة، ولا تتضمن إلغاء شخصية المرأة واضطهادها، وإهدار كرامتها، ومنعها حقوقها، بل هي قوامة بالمعروف، كما قال تعالى «وعاشروهن بالمعروف»، قال ابن كثير «أي: طيبوا أقوالَكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله..، كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». فالقوامة مسؤولية أسرية تنظيمية، وهي في صالح الأسرة، وتربية الأبناء، والمطالبة في هذا الشأن يجب أن تنحو منحى سن القوانين الرادعة ضد من يسيء القوامة في أسرته بمنع بناته أو زوجته من حقوقهن، وعدم ترك ذلك لتقدير الزوج وثقافته وفهمه، فالناس تردعهم الأنظمة والقوانين أكثر من المواعظ، وقديما قال عثمان بن عفان «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
[email protected]