الحوثي يرهب الزيديين ويغير مناهج التعليم

أدارت جماعة الحوثيين بقيادة عبدالملك الحوثي، المدعوم إيرانيا، بنادقها نحو المجتمع المدني ونخبه المثقفة والقضاة الزيديين، في معركة جديدة بذريعة أنه أحق بالحكم.
اليوم، وبعيدا عن عمران

أدارت جماعة الحوثيين بقيادة عبدالملك الحوثي، المدعوم إيرانيا، بنادقها نحو المجتمع المدني ونخبه المثقفة والقضاة الزيديين، في معركة جديدة بذريعة أنه أحق بالحكم.
اليوم، وبعيدا عن عمران

الأربعاء - 30 أبريل 2014

Wed - 30 Apr 2014



أدارت جماعة الحوثيين بقيادة عبدالملك الحوثي، المدعوم إيرانيا، بنادقها نحو المجتمع المدني ونخبه المثقفة والقضاة الزيديين، في معركة جديدة بذريعة أنه أحق بالحكم.

اليوم، وبعيدا عن عمران وصعدة، وأمام قرية الحضر، بالتحديد، لا مبرر أخلاقيا في يد الحوثي لخوض الحرب، ضد قرية «زيدية» عريقة، سوى أنها رفضت تأييد شعاراته.

ويتصرف الحوثي في المناطق التي باتت تحت سيطرته كحاكم مطلق، ففي صعدة غير الحوثي المناهج الدراسية وألزم الطلاب بمناهج جديدة في العلوم الإنسانية والفكرية، وكذلك الرياضيات التي أدخل عليها مفردات المدافع والمجاهدين واليهود.





الحوثي يترنح في ذمار ويوجه بنادقه إلى الزيديين



قفز الحوثيون بقيادة عبدالملك الحوثي، كحركة سياسية ودينية مسلحة من شمال الشمال اليمني إلى الوسط، والجديد في المعركة، هذه المرة هو أن المجتمع المدني ونخبه المثقفة والقضاة الزيديين باتوا في مرمى بنادق مقاتلي الحوثي.

حاصر الحوثيون، قرية الحضر في ريف قضاء آنس التابع لمحافظة ذمار، طيلة 3 أسابيع لينفض الحصار بصلح لا يضمن عدم وقوع المواجهة في أي لحظة.

وتبدو اليمن كبيئة، مدنية وقبلية وحتى مذهبية، على مشارف مرحلة جديدة من المواجهة مع الحوثي المدعوم إيرانيا.

وفي معركته هذه، لا يملك الحوثي أي ذرائع، من تلك التي استخدمها في كافة حروبه السابقة، التي مكنته من السيطرة على محافظات أقصى الشمال اليمني: عمران، صعدة، بعض الجوف، كما في حروب صعدة الـ6 الطويلة.



إعصار ولقمة



تجنب الحوثي، في معاركه الأخيرة، الاصطدام بوحدات الجيش الموجودة في صعدة وعمران المتجاورتين، ودشن حربه “التطهيرية” مع السلفيين في دماج، ثم زحف، بعد أن بسط نفوذه بالكامل على صعدة، إلى محافظة عمران، معلنا حربا جديدة على شيوخ قبيلة “حاشد” وعلى “الإخوان المسلمين” الذين ينشطون منذ عقود في مديريات عمران ومحافظة صنعاء، معززين ومحميين بحلفائهم التقليديين أي القبائل والعسكر.

ويتابع الحوثي سير المعارك من منطقة ما في صعدة، وتمكن مقاتلوه الشبان، الذين ينتمون عمريا إلى أقل من 18 سنة، من السيطرة على معظم مديريات محافظة عمران، عدا المدينة، ثم انتقل الحوثي كإعصار، إلى محافظة ذمار، تاركا صنعاء وريفها وراءه كـ”لقمة” كبيرة يصعب على “السيد” ابتلاعها في الوقت الراهن.



صمود أسطوري



اختط الحوثي طريقه إلى محافظة ذمار، حيث القيعان الزراعية الخصبة والواسعة، وحيث كرسي القضاء الزيدي المتجدد. وهناك، وجد الحوثيون، أنفسهم فجأة وهم يحاصرون بأسلحتهم، قرى زيدية خالصة، دون ذرائع أخلاقية لتبرير الحرب والحصار. وكان الحوثي في أحد خطاباته قال: أنا أحق بالحكم.

تقع محافظة ذمار، في قلب الخارطة السكانية والجغرافية في اليمن، وهي كذلك في قلب الدولة اليمنية العميقة، حيث الصمود الأسطوري أمام اختراقات “الإخوان المسلمين” الفكرية والقبلية.

وتقدر إحصاءات غير رسمية، بأن 40% من منتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية ينتمون إلى محافظة ذمار، وهذا الحضور الطاغي داخل قطاعات حساسة ومهمة في النظام اليمني، مع نسب فقر وبطالة وأمية مرتفعة، تجعل من ذمار محافظة شديدة الأهمية والخطورة معا. وفي حال انخرطت ذمار كمجتمع قبلي شديد الوعورة في المعركة وتمكن الحوثي من بسط سيطرته التامة عليها، فإن تأثيره القوي سيمتد إلى أعماق الدولة.



زهو وقناع



يوجد “الحوثيون” في ذمار بالمئات كـ”زيود”، وتحت هذا الغطاء، وداخل هذه البيئة الاجتماعية والمذهبية الحاضنة، يتمدد الحوثي ويترعرع، لكن لا بد من أن شعورا بالزهو تملك الحوثي إثر انتصاراته التي حققها في حاشد، والتي جعلته يتجاسر ويكشف القناع عن طموحاته واتجاهاته المذهبية الجديدة، الاثني عشرية.

وهذا منعطف حاد بدأ يظهر في مسار الجماعة الحوثية الصاعدة بقوة، حيث إن الزيدية تاريخيا حكمت قرابة ألف عام، وكعقيدة سياسية أولا ودينية ثانيا، قاتلت طوائف شيعية أخرى في اليمن كالإسماعيلية في حراز، التي حكمت اليمن زهاء قرن ونصف، الصليحيين.

كما أن المطرفية كفرقة زيدية انشقاقية نشأت من داخل الطينة الزيدية، ثم أبيدت بالكامل على يد الأئمة الزيديين من بيت “الحمزات”، قبل 7 قرون وتعرض أتباعها لمذابح جماعية، هي الأشد والأكثر قسوة في تأريخ الصراع السياسي والديني في مجتمع جنوب الجزيرة العربية.

وأمام هذا الملمح من الصراع الدموي الطويل، داخل الهضبة المركزية (الزيدية) بين فرق الشيعة، تعايش المذهبان الزيدي والشافعي، ولم يسجل التاريخ أي مجازر تطهيرية على أساس مذهبي عقدي بين الاتجاهين.



مجتمع ناضج



ذمار، زيدية بالكامل، عدا مديريات عتمة، وصاب العالي، ووصاب السافل، “شوافع”. فالأذان في قرى “آنس” ذمار، الجبلية لا يزال يرفع بـ”حي على خير العمل”. كما أن أنماط الحياة الثقافية والاجتماعية، لا تزال هي هي؛ الناس في صلاتهم مسربلون، وبيوت شامخة لا تزال تتناول القضاء من يد إلى يد، منذ دخلها الجيل الأول من الأئمة القاسميين، قبل 380 سنة وحتى اليوم.

يطوق مقاتلو الحوثي قرية “الحضر”، وهي قرية بمنازلها الحجرية الأنيقة، ومسجدها القديم ومدرجاتها الخضراء، حيث تبدو وكأنها غرسة مميزة في حضن “جبل الشرق”.

سكان قرية “الحضر” هم “آل الجمرة”، وهذه الأسرة عرفها اليمنيون من خلال عملهم كـ”قضاة” زيديين يتوارثون مهنة الفصل في المنازعات وكتابة الأحكام الشرعية عبر قرون، وعلى مداخل القرية واتجاهاتها الأربع بدأت نوايا الحوثي الحقيقية تتكشف.

فالحوثية كجماعة مقاتلة، تمددت واتسعت بقوة السلاح على هدى الخارطة التقليدية للمذهب الزيدي، لتصطدم فجأة بالمجتمع المحلي الناضج، عندما الزيدية كقضاة بدأت ترفضه.



سقوط حاشد



وبما أن القاضي في ذهن اليمني، ارتبط وظيفيا بفكرة الدولة والقانون، فإن القضاة هم امتداد للطبقة المتعلمة، أو لفئة تكنوقراط الدولة الثيوقراطية القديمة. ومعلوم أن حركة 1948، التي أودت بحياة الإمام يحيى حميد الدين، قادها قضاة زيديون، بسبب ما أسموها اختراقات و”عوار” مخل في بنية مؤسسة الحكم الزيدية واشتراطاتها لصفات وشخصية الإمام.

بلغت حركة الحوثي ذروتها في إحراز التقدم، بسقوط قبيلة “حاشد” المنيعة، ذات الانتماء الزيدي الخالص، لكن هذا الفوران المتعاظم، بدأ يتلاشى ويضعف على المستوى المعنوي في النقاش والجدل اليومي وسط النخبة السياسية والمثقفين، وعلى مستوى الأرض، بوصول مقاتلي الحوثي إلى أطراف قرية “الحضر”.



خطاب استعطافي



استأنف الحوثي معارك السنوات الأربع الأخيرة، عقب أحداث 2011، من داخل محافظة صعدة، المحاذية للحدود الجنوبية السعودية، وأخذ ينفذ غارات متتالية ضد مركز سلفي في صعدة، تمكن في النهاية من السيطرة عليه وتشريد طلابه.

قبل ذلك، في حروب صعدة الست، كان الحوثي يخوض الحرب تلو الأخرى، في مواجهة الجيش مشفوعا بخطاب استعطافي: الدفاع عن النفس ضد سلطة جائرة. لكن الوضع اختلف في حروبه اللاحقة، التي اندلعت بعد الربيع العربي، عندما كان مقاتلو الحوثي يكسبون المعارك تباعا، لكون العدو المباشر أمامهم مقاتلي “الإخوان المسلمين” وحلفائهم التقليديين من شيوخ القبائل المكروهين كـ”آل الأحمر”، الذين استقر بهم المقام، عقب المواجهات، مشردين خارج قرى “حاشد” وتبابها الغبراء.



رفض الشعار



اليوم، وبعيدا عن عمران وصعدة، وأمام قرية الحضر، بالتحديد، لا مبرر أخلاقيا في يد الحوثي لخوض الحرب، ضد قرية “زيدية” عريقة، سوى أنها رفضت أن تصرخ معه بالشعار التالي: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، النصر للإسلام، اللعنة على اليهود.

ويقول أحد سكان قرية الحضر، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: “نحن زيود أبا عن جد، وما نجده في الحركة الحوثية ليس زيديا، إنها خطر على عقيدة اليمنيين شوافع وزيود”. والصرخة هي شعار قائد الثورة الإيرانية الذي استنهض به الخميني الفرس وحرك مشاعرهم للتحضير الشعبي لثورته التي أطاحت بالشاة سنة 1979. في قرية “الحضر”، تطور الأمر بين الطرفين، إلى مشادة كلامية، ثم إلى اشتباكات بالسلاح الأبيض وبالبنادق، بين المصلين عقب صلاة 3 جمع، خلفت جرحى. رفض المواطنون، أداء الصرخة، قبل صلاة الجمعة وبعدها، وتمسك مقاتلو الحوثي، الوافدون على القرية، بتأدية هذا الشعار جماعيا داخل المسجد ملوحين بالقوة للضغط على المصلين، الذين رفضوا، ليصل المطاف بمقاتلي الحوثي إلى محاصرة القرية من جميع الجهات. هذه الانتقالة الدراماتيكية السريعة التي ذهبت بالحوثي، إلى هذه القرية الزيدية، وضعت الخطاب الحوثي المطعم بمظلومية تأريخية وبالتباكي المقصود، على الزيدية كتراث وإمامة، وضعته في مأزق، عندما نشرت وسائل الإعلام وتناقلت خبر محاصرة مقاتليه لقرية زيدية وسط اليمن! حينئذ، تعالت الأصوات المنددة بهذا التطور الخطير، وتدافع الكثير من قيادات الحوثي وكتابه يدافعون ويسوقون الذرائع، أهمها وأخطرها قولهم بمظلومية جديدة: “الهاشمية”.



تحرك النخب



تحركت النخب المدنية للمرة الأولى، مدشنة مرحلة جديدة من “النضال” ضد بواعث عرقية وطائفية بدأت تظهر إلى السطح. وهنا ظهر خطاب الحوثي التبريري مرتبكا، حيث تخلى عن “الزيدية” كرافعة لمظلوميته، إلى القول إن المجتمع كزيدية وشافعية ومجتمع مدني يستعدي “الهاشميين”، ويقصيهم!

في السنوات الأخيرة عمد الحوثي، إلى حشد جماهير البسطاء والبيوت المحافظة، عبر إحياء مناسبات دينية، كيوم عاشوراء، و12 ربيع الأول، وبداية السنة الهجرية، ويوم الغدير، وغيرها، حيث يتم التحضير لها بشكل مرتب وواسع، ثم إطلاق الصرخة بشكل جماعي متواز مع حركة جماعية للأيدي على طريقة حزب الله في لبنان. والحوثي بذلك يستنهض الهويات الثقافية والمذهبية النائمة، ويحركها في النفوس مستلهما الماضي الديني، بما هو إمام وحضرات صوفية، في مسعى لاستدراج الجماهير وتلقينهم تسابيح التشيع.





ذمار والتماس الاجتماعي والمذهبي



تبعد محافظة ذمار عن العاصمة صنعاء 90 كلم جنوبا، وإلى الغرب من ذمار- المدينة، مع ميلان إلى الشمال قليلا، يقع قضاء آنس بنواحيه الأربع: ضوران، آنس المنار، جهران، جبل الشرق، الذي تتبعه قرية “الحضر”. كما أن آنس كقضاء جبلي التحق بالمذهب الزيدي مبكرا، بخلاف بقية نواحي ومديريات محافظة ذمار: الحداء، عنس، مغرب عنس، التي انضمت كاملة قبل 180 عاما، وكانت “ذمار” عاصمة حكم لـ3 من أئمة الدولة الزيدية القاسمية، قبل قرنين ونصف القرن. و”ذمار” على الخارطة تتموضع في منطقة تماس اجتماعية ومذهبية، شديدة التعقيد والحساسية، وهو ما يجعل الموقع الأمني لهذه المحافظة بالغ الأهمية والخطورة في آن واحد. فهي تمثل بوابة عبور وانتقال من وإلى اليمن الأسفل (المحافظات الشافعية: إب، تعز، ريمة، الضالع، أبين، عدن، البيضاء، لحج، الحديدة)، وهذه المحافظات التسع، تسير إلى صنعاء عبر طرق عدة، ثم تلتقي جميع تلك الطرق في ذمار لتتوحد وتسير في طريق رئيس واحد فقط، وصولا إلى صنعاء.

والأهم من ذلك أن محافظة “ذمار”، وبالذات مجتمع آنس، تمثل الركن الجنوبي للمذهب الزيدي المحاذي لبعض هذه المحافظات الشافعية التسع، حيث تعتبر قرى مديرية “جبل الشرق”، ومنها قرية “الحضر” إحدى خطوط التماس، بين مجتمعين: زيدي وشافعي.





رياضيات الحوثي بنادق ومدافع



لا تتوقف المشكلة اليمنية، عند حدود “الحوثية” كـ”قوة” مقاتلة فقط، إنما هناك جيل بأكمله يتشكل ويتربى وفقا لمناهج أعدها الحوثي. يتصرف الحوثي في المناطق التي باتت تحت سيطرته كحاكم مطلق. ففي محافظة صعدة، قام الحوثي بتغيير المناهج الدراسية للطلاب، وأنزل مناهجه الجديدة. ولم يكتف الحوثي بتغيير المنهج التعليمي الخاص بالعلوم الإنسانية والفكرية، إنما قدم نسخا جديدة لـ”مادة الرياضيات”. يتدرب طلاب الصف الثاني الابتدائي لحل التمارين الرياضية هكذا: “غنم المجاهدون في إحدى المعارك 326 قطعة سلاح من نوع مدفعي، و203 بنادق، فكم صار مجموع الغنائم”! كتاب الرياضيات، يتألف من 23 صفحة، وفي الغلاف مطبوع شعار “مؤسسة الإمام الهادي الثقافية”، ويصور الكتاب في مجمل فصوله وتقسيماته، المعارك بأنها بين “المجاهدين” كطرف، وبين “اليهود” كطرف مقابل، وإليكم هذا التمرين: “في إحدى المعارك هاجم المجاهدون معسكرا لليهود بداخله 360 جنديا قتل المجاهدون منهم 106، وأسروا البقية.. كم عدد الأسرى”؟ يناقش كتاب الرياضيات للصف الثاني الابتدائي أسعار السلاح بأنواعه: البنادق، القنابل، الجعب، الآربي جي .. ويساوي الكتاب بين الجنود الحكوميين وتنظيم القاعدة. ويقدم أحد فصول الرياضيات التمارين للأطفال هكذا: يقوم اليهود الأمريكيون بتدريب مجموعة من اليمنيين عددهم 186، وسمتهم (القاعدة) ودربت كتيبة من الجنود اليمنيين عددهم 500، فكم مجموع الكل؟

يبلغ الطلاب في محافظة صعدة، 133 ألفا و276 (ذكور وإناث). كما أن عدد المدارس الحكومية في المحافظة 728 مدرسة، يسيطر الحوثي بشكل كامل على 413 منها، ويدرسون منذ سنوات جميع المواد من خلال مناهج أعدها الحوثي بطريقته. وليس في صعدة فحسب، الحوثي يسيطر على عشرات المدارس في محافظات أخرى باتت تحت نفوذه في عمران والجوف وحجة. يذهب الأطفال إلى المدارس صباح كل يوم، وفي طابور الصباح، استبدل الحوثي النشيد الوطني، بـ”شعار الصرخة”، حيث ترتفع أصوات الطلاب في مئات المدارس بترديد شعاره المعروف: “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.