داعش والوهابية.. محاولة للفهم


في أحد اللقاءات التلفزيونية قال الداعية اليمني المشهور علي الجفري: «إن داعش أخذوا من الوهابية؛ فكتاب العقيدة الذي يُدرس عند داعش هو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب».


في أحد اللقاءات التلفزيونية قال الداعية اليمني المشهور علي الجفري: «إن داعش أخذوا من الوهابية؛ فكتاب العقيدة الذي يُدرس عند داعش هو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب».

الأربعاء - 18 نوفمبر 2015

Wed - 18 Nov 2015



في أحد اللقاءات التلفزيونية قال الداعية اليمني المشهور علي الجفري: «إن داعش أخذوا من الوهابية؛ فكتاب العقيدة الذي يُدرس عند داعش هو كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب».

وقد أثار كلامه هذا عاصفة من الردود من ثلة من طلبة العلم في السعودية، فاتهموه بالعداء للسلفية، ومحاولة تشويهها انتصارا لمسلكه الصوفي، وإذا تجاوزنا إطلاقه مصطلح (الوهابية) على الدعوة السلفية للشيخ محمد بن عبدالوهاب على اعتبار أن علماء الدعوة نفسها استعملوه كما عَنْـوَنَ سليمان بن سمحان – من علماء الحركة وشعرائها - كتابا له بـ(الصواعق المرسلة الوهابية على الشبه الداحضة الشامية)، وكما قال عبدالرحمن الرويشد – أحدُ مؤرخي الحركة- مشيرًا إلى تحول اللقب إلى مجرد مصطلح إجرائي تعريفي: «ليس هـناك ما يسـوِّغُ هجرَ استعمالِ تلكَ الكلمةِ، كتعريفٍ شائعٍ»، إذا تجاوزنا هذه الإشكالية، فالجفري ليس هو أول من قال بأن داعش تنتمي للفكر الوهابي، وحسبك أن تعلم أن البحث عن علاقة داعش بالوهابية في محرك البحث (قوقل) يعطي 894000 نتيجة، وهذه نتيجة كبيرة جدا، تدل على اشتهار الربط بين الأيديولوجيتين.

والقائلون بهذا الربط ثلاثة أصناف، الأول: صنف يكنّ العداء الـمُمِض للوهابية، فكلامه عنها، وربط أيديولوجية داعش بها، لا يعدو أن يكون هجاء محضا، وليس تحقيقا علميا موضوعيا، وقد حمله على هذا الهجاء خلافه الأيديولوجي معها، فهو يلصق بها كل نقيصة، وهذا الصنف أخلاط من بعض الطوائف الإسلامية، وبعض من أصحاب التوجهات العقدية المخالفة لها، وبعض مدِّعي الليبرالية الذين هِجِّيرَاهم هجاء الإسلاميين صباح مساء.

والثاني: صنف الباحثين الموضوعيين، فقد سبروا الأيديولوجيتين، فوقفوا على مكامن التشابه والافتراق، لكنهم في بحثهم يغفلون منطق التاريخ في حكمهم على الوهابية كما سنفصل لاحقا، وبعض منهم يقسم الوهابية أو دعوة الشيخ إلى فترتين، ويرى أن «داعش» تأثرت بالأولى.

والثالث: مراكز أبحاث غربية، وغالبا تتأثر نتائج أبحاثها بالأهواء السياسية، وتؤثر فيها كثيرا المصادر العربية التي تمدها بالمعلومات من باحثين، وكتب، وأبحاث، وإحصائيات، وبعدُ فأين الحقيقة؟

لا يستطيع أي منتم للفكر الوهابي أن ينكر وجود تأثر واضح ببعض مقولات علماء الدعوة، ومن قبلهم بابن تيمية وتلميذه ابن القيم، لكن هذا التأثر لا يعني تبني داعش لفكر دعوة الشيخ بقضه وقضيضه، فبقدر وجود أفكار مشتركة بين الأيديولوجيتين ثمة فروق كثيرة بينهما، والتأثر الواضح لدى داعش بهذا الفكر إنما ينبع من اعتماد الأيديولوجيتين نفسيهما على فكرة واحدة وهي فكرة السلفية، وفكرة السلفية ليست فكرة واحدة صماء، بل ثمة سلفيات كثيرة بينها خلاف، وشقاق، وعداء، وإن كانت كلها تبجل علماء التوجه السلفي كالإمام أحمد، وابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبدالوهاب، وتستشهد بمقولاتهم، ومن هنا فمن التبسيط المخل أن توضع كل التيارات السلفية - ومنها داعش والوهابية - في سلة واحدة بحجة التوافق في بعض المقولات والأفكار.

وأكثر فكرة جعلت الباحثين يربطون بين دعوة الشيخ وداعش فكرة التكفير وقتل المخالفين، وهؤلاء الباحثون الذين يرون الوهابية تميزت بالحروب التي نتج عنها قتل المخالفين لها يغفلون – ربما بعضهم عن عمد – منطق التاريخ في محاكمتها، فدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في حروب التأسيس التي خاضتها في سبيل إقامة دولتها، وبسط دعوتها كانت خاضعة لمنطق عصرها، وهو منطق الإخضاع القسري لكل المخالفين للدخول في حيز الدولة، ورفض التعايش مع أي فكر مخالف لها، وكل الدول المعاصرة للحركة كانت خاضعة للمنطق نفسه، وهو منطق التوسع والهيمنة عن طريق القوة، وقسر المخالفين، وهذا هو منطق ذلك العصر.

وقراءة سريعة لذلك العصر توقفك على أن دعوة الشيخ كانت بنت عصرها، وخاضعة لمنطقه، وإذا قارناها ببعض الدول والحركات المعاصرة لها نجدها أقلهم خضوعا لذلك المنطق، فتلك الدول والحركات تفوقها بمراحل في حروبها وقسرها المخالفين لها، ففي الثورة الفرنسية المعاصرة لحركة الدعوة «تم قطع رؤوس 17000 رجل وامرأة وطفل هكذا جهارا من قبل اليعاقبة أثناء الثورة الفرنسية التي أدت إلى ظهور أولى الدول العلمانية في أوروبا، «حسب كلام الباحثة البريطانية في علم الأديان المقارن كارن أرمسترونج».

والدولة الصفوية التي سقطت عام 1199هـ أي في أوج صعود دعوة الشيخ، قامت بمذابح مروعة في سبيل تغيير عقائد الناس، جاء في كتاب (البدر الطالع) أن عباس الصفوي توفي في القرن العاشر: «قتل زيادة على ألف ألف نفس بحيث لا يعهد في الجاهلية، ولا في الإسلام، ولا في الأمم السابقة من قبل في قتل النفوس ما قتل إسماعيل الصفوي، وقتل عدة من أعظم العلماء بحيث لم يبق من أهل العلم أحد من بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم»، كل ذلك لحملهم على ترك مذهبهم وتحويلهم لمذهب السلطة، وقال الدكتور علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية) «إن الشاه عباس فعل ببغداد عند احتلالها مثلما فعل جده الشاه، وربما زاد عليه، فقد هدم مرقد الإمامين أبي حنيفة وعبدالقادر الكيلاني، وقتل عددا كثيرا من أهل السنة، وقد نجا الباقون بشفاعة كليدار الحضرة الحسينية».

وردا على مذابح الصفويين في أهل السنة قام السلطان العثماني سليم الأول بقتل الشيعة في شرق تركيا من (القزلباش) وكان عددهم أربعين ألفا، وفي اليمن قبل قيام الحركة بحوالي قرن ألف إمام اليمن من سنة 1054 إلى سنة 1087هـ، وهو المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم، وهو من الطائفة الزيدية رسالة بعنوان (إرشاد السامع في جواز أخذ مال الشوافع)، هذا غيض من فيض عن منطق ذلك العصر، وداعش في فكرتها ومنهجها ودعوتها لم تخرج من فكر القرون الوسطى القائم على الإكراه، والقسر، والتوسع، والهيمنة، تماما كما كانت دول القرون الوسطى، والمفترض ربطها بذلك العصر لا بالوهابية وحدها.