هل نستطيع أسلمة العلمانية؟

الجمعة - 18 مايو 2018

Fri - 18 May 2018

في خطاب وداعه للشعب الأمريكي عند انتهاء فترته الرئاسية وبخ جورج واشنطن أولئك الذين يدعون الوطنية وفي نفس الوقت يقللون من تأثير الدين والأخلاق اللذين يقودان إلى الرخاء السياسي، لأنهما من الأسس التي تسعد البشر (على حد قوله).

أكبر خطأ يرتكبه بعض المسلمين في هذا الزمان هو المناداة بضرورة تطبيق العلمانية في البلاد الإسلامية، إذ يزعمون أن استقلالها عن الدين ليس ذا تأثير، العلمانية نشأت في الغرب لظروف خاصة لمجتمعاتهم في ذلك الوقت، ولم نمر بها في بلادنا وفي كل البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية، فاستبداد الكنيسة في أوروبا آنذاك وطغيان رجالها وفسادهم واستغلال السلطة الدينية لتحقيق أهوائهم، وكذلك التطور العلمي الهائل وظهور العلماء في شتى العلوم وسيطرتهم على زمام الأمور وتعريتهم لرجال الدين أدت كلها لمحاربة الكنيسة للعلم والعلماء، ومن أسباب نشأة العلمانية أيضا تحريف الكتاب المقدس والذي بسببه اتسعت فجوة التناقض بين العلم والدين، والتي دفعت بالمسيحيين للبحث عن مخرج من خلال الإلحاد وكراهية الدين.

ولو سلمنا بمنطقية تلك الأسباب - لنشأة العلمانية - إلا أنها ليست مبررا لعدم البحث عن الدين الحق بتشريعاته التي تنظم الحياة والسلوك.

ورغم ظهورها في أوروبا وسيطرتها على الأنظمة السياسية لم تستطع العلمانية أن تقضي على التطرف والإرهاب، ولم تعد قادرة على مواجهة الأيديولوجيات المتطرفة مع نشوب الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث اجتاحتها في القرن الماضي الحركات الثورية المتطرفة كالفاشية والماركسية، والتي دمرت أوروبا وطحنتها، وما قام به هتلر - من خلال الحزب النازي - من إرهاب واستعمار وتطهير عرقي وإبادة لأكبر دليل على فشل العلمانية في القيام بدور العدالة والحرية والتعايش وحقوق الإنسان، حتى لو تظاهرت أوروبا وزعمت أنها علمانية فإن الثقافة المسيحية متجذرة منذ قرون عدة، ومن الصعب اقتلاعها، وعدم إدراك بعض الأوروبيين لمثل هذا التضارب في هويتهم يتضح جليا في تعصبهم الديني وخلق لهجة معادية متزايدة ضد المهاجرين القادمين إلى أوروبا من المسلمين واليهود المتدينين.

مؤسسو الولايات المتحدة أنفسهم يؤكدون أنه لا يمكن الحصول على الحرية بدون الدين، وأن أكبر أعدائهم هو مجتمع علماني بحرية مطلقة وبلا دين يضبطها، هذا وهم قد عاشوا في بيئة مسيحية. يقول بنجامين فراكلين وهو من أبرز مؤسسيها: لا شيء يجلب الألم أكثر من الكثير من المتعة، ولا عبودية أكبر من الحرية التامة. نحن كما ذكرت لم نمر بتلك الظروف في الغرب لأننا وبكل بساطة لدينا الدين الصحيح القويم الذي هو منهج حياة ورحمة للعالمين بنظامه المتكامل والشامل لكل شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والمدنية وحتى السياسية. وفي الإسلام من المرونة والسماحة والقدرة على التجديد ومواكبة العصر ما يغنينا عن العلمانية وغيرها من الأيديولوجيات.