الديم مقاطعة إثيوبية وسط الخرطوم

يضرب أي سوداني أخماسا بأسداس قبل أن يفكر في الدخول إلى حي الديم وسط الخرطوم، لأنه سيجد نفسه غريبا وسط آلاف الإثيوبيين الذين حولوا الحي إلى مكان خاص بهم، يقيمون فيه ويديرون منه تجارتهم وأعمالهم التي تبدأ من الأعمال البسيطة، ولا تنتهي عند الليالي الحمراء وتهريب البشر

يضرب أي سوداني أخماسا بأسداس قبل أن يفكر في الدخول إلى حي الديم وسط الخرطوم، لأنه سيجد نفسه غريبا وسط آلاف الإثيوبيين الذين حولوا الحي إلى مكان خاص بهم، يقيمون فيه ويديرون منه تجارتهم وأعمالهم التي تبدأ من الأعمال البسيطة، ولا تنتهي عند الليالي الحمراء وتهريب البشر

الاحد - 09 فبراير 2014

Sun - 09 Feb 2014



يضرب أي سوداني أخماسا بأسداس قبل أن يفكر في الدخول إلى حي الديم وسط الخرطوم، لأنه سيجد نفسه غريبا وسط آلاف الإثيوبيين الذين حولوا الحي إلى مكان خاص بهم، يقيمون فيه ويديرون منه تجارتهم وأعمالهم التي تبدأ من الأعمال البسيطة، ولا تنتهي عند الليالي الحمراء وتهريب البشر

وصعوبة دخول الحي، خاضتها «مكة» قبل أيام بكل ما تحمله من مخاطر، إذ تعرضت خلال زيارتها لمصادرة الكاميرا وقصاصة الورق التي دونت عليها نقاطا ومعلومات من قبل شاب إثيوبي يدعى «مموش»، ولم يفرج عنها إلا بعد مفاوضات ماراثونية تولاها مرافق «مكة» معاوية الطيب، الذي تربطه علاقات جيدة مع بعض المقيمين في الحي، انتهت بإعطاء «المصادر» مبلغا بحجة «ثمن طعام العشاء»

فخلف جدار تلك المنازل الشعبية في الحي، قصص كثيرة عن أصحاب مال وأعمال، وكذلك عن فقر وهاربين منه، وباعة قهوة ومأكولات إثيوبية

وما إن يصل الآتي إلى الديم عند محطة باشدار، حتى يلاحظ التناقض في أوضاعه

هنا منازل شعبية بعضها صامد على قدمه، وبعضها مبني من الطين يتهالك رويدا رويدا

وهناك في الشوارع الرئيسة المؤدية إلى الحي، بنايات حديثة متعددة الطوابق، فيها محلات تجارية عامرة بالحركة

أما في داخل الحي وأزقته، فتستقبلك محلات ومقاه كتبت لافتاتها بالعربية والأمهرية





قهوة وعمل منزلي



يعمل معظم الإثيوبيين المقيمين في الديم، في بيع القهوة والشاي، أو جرسونات وعمال نظافة في المطاعم والكافتريات، بجانب مجالات أخرى مثل أعمال الديكور والجبص وقيادة «الركشة» (التكتك)

أما النساء فهن عاملات منزليات أو فنيات كوافير

وبعد انفصال جنوب السودان اتجه القادمون الجدد من إثيوبيا إلى العمل في البناء والتعمير





المليونيرة هيلين



ومن تلك الأعمال البسيطة، تمكنت الإثيوبية هيلين أن تصنع ثروة منحتها لقب «مليونيرة»، وجعلت سيرتها على كل لسان، خصوصا أن لها سائقا سودانيا يقود سيارتها الفارهة

فهيلين التي أصبحت سيدة أعمال معروفة، بدأت نشاطها بإنشاء مطعم صغير في الديم تقدم فيه طعاما إثيوبيا وكانت تديره بمفردها، ثم توسعت في نشاطها التجاري وافتتحت فروعا عدة لمطعمها المتخصص في تقديم الأكلات الإثيوبية التقليدية، بجانب افتتاحها محلات كوافير نسائية لتصبح سيدة أعمال يشار لها بالبنان في حي الديم، ويقود سيارتها الفارهة سوداني يفتح لها الباب عند نزولها من السيارة





سكن وبيزنس



ويستغل الإثيوبيون مساكنهم الخاصة في حي الديم للسكن الجماعي، وإدارة بعض الأنشطة التجارية مثل بيع القهوة والشاي والأطعمة الإثيوبية إلى جانب أنشطة أخرى

ويستخدمون الغرف المفروشة بالبساط للنوم ليلا بعد انتهاء دوام العمل في المطعم والمقهى، إذ تتحول الغرف بعد مغادرة الزبائن مباشرة، لسكنات نوم للعمال وأصحاب العمل

وفي الصباح تعود الغرف المفروشة بالبساط مجددا كجلسات يتناول فيها الزبائن طعامهم والقهوة الحبشية الساخنة

أما في الليل، فتستغل بعض المنازل كأوكار سرية يمارس فيها إثيوبيون كل الأنشطة التي يمارسونها في بلادهم بحرية مطلقة، تبدأ بقهوة وشيشة تقدمها فتيات





يصل سعر فنجان القهوة إلى 25 جنيها، وحجر الأرجيلة إلى 25 جنيها، ولا يستطيع أي زبون عادي أن يدخل إلى تلك الأماكن بمفرده بل يلزمه وسيط يثقون فيه

وإن كنت من زبائن القهوة والأرجيلة فقط ولم تستجب للمغريات الأخرى أو تدفع بقشيشا جيدا، تتغير المعاملة فورا ويطلبون منك المغادرة بحجة أن زبائن آخرين يريدون الطاولة والمكان ضيق





غير مترابطين



وما يفاجئ زائر الديم هو أنهم في الداخل مختلفون في علاقاتهم ويميلون إلى الفردية، خلافا لما يظنه المقيمون خارج الحي بأنهم مترابطون

ويؤكد الشاب الإثيوبي مموش فنتاي، أن أبناء جلدته في الحي يميلون إلى الفردية، فلو كان هناك اثنان منهم يسكنون في منزل أو غرفة واحدة فإن كلا منهما يتدبر أمر معيشته بمفرده، بمعنى أنهما يتشاركان غرفة واحدة ولكن لا يتشاركان مائدة واحدة

ويصف مموش نفسه بأنه «ديامي» 100% في إشارة إلى انتمائه إلى الديم الذي يعرف سكانه بـ»الديامة»





منتجات إثيوبية



يطالع زائر الحي لافتات لمحلات تجارية تبيع منتجات إثيوبية، ومنها محل يسمى «أسدي» يمتلكه ثلاثة إثيوبيين مسلمين من قبيلة الأمهرا هم: محمد حياة ويوسف علي وعثمان محمد علي، وجميعهم في العقد الثاني من العمر

ويبيعون في محلهم منتجات إثيوبية من سمن بلدي وعسل السد الأصلي، إضافة إلى الملابس التراثية خصوصا «زوريا» النسائي وأثناء وجودنا داخل المحل، دخلت متسولة تحمل طفلة في كتفها، فمنحها محمد حياة صدقة سريعة من دون أن تتفوه بكلمة





هيلين والثوب السوداني



هيلين الأخرى بائعة شاي، وتقيم في الديم منذ 10 سنوات، ومتزوجة من إثيوبي لهما طفلة عمرها خمس سنوات

تقول: تأثرنا بالسودانيين ويعجبني الثوب السوداني لذلك ارتديه

خلال وجودي في الديم تعلمت بعض الأكلات السودانية خاصة البامية المطهوة بالطريقة السودانية، ولكن لا أعرف الكثير عن السودانيين لقلة وجودهم وسطنا

وأكـدت أنهـا لا تشعر بالغربة في حي الديم

وأثناء وجودنا في قهوة هيلين، لاحظنا وجود ملصق إعلاني كبير معلق في حائط المقهى لحفل غنائي لفنان إثيوبيا الأول تيدو أفرو بالخرطوم



البحث عن نعيمة



أثناء وجود «مكة» في مكتب سفريات الفنار تاتات بالديم، حضر مواطن سوداني وسأل عن إثيوبية تدعى نعيمة، وهل غادرت على متن رحلة تحركت قبل لحظات

راجع الموظف المختص كشوفات المسافرين ولم يجد اسمها، فغادر الرجل في صمت، ويبدو عليه الاضطراب

بعد مغادرة الرجل بلحظات حضرت إلى المكتب شابة إثيوبية في العقد الثالث من العمر، ويبدو أن أصحاب مكتب السفريات يعرفونها، وهي كشفت عن سر الرجل السوداني الذي حضر باحثا عن نعيمة، وقالت: هذا الرجل زوج نعيمة، وعاد إلى المنزل فوجده خاليا



ولم تترك له أي قطعة أثاث أو مقتنيات وغادرت

وفي السياق نفسه، روى أبوزر لـ»مكة» قصة مشابهه حدثت لصديق له متزوج من إثيوبية هربت بطفليهما بعدما نهبت كل ممتلكات المنزل و20 ألف جنيه ومصاغ

ويقول إن صديقه سافر إلى إثيوبيا على أمل العثور على فلذتي كبده ومكث هناك 6 أشهر ولم يعثر على أي أثر لهما ثم عاد إلى السودان بخيبة أمل ويعض أصابع الندم

وقال أبوزر: هذا هو العيب الوحيد للإثيوبيات وهو الاحتيال خاصة في حالات زواج السودانيين من إثيوبيات





رحلات إلى أديس أبابا





قرب محطة باشدار في الشارع الرئيسي لحي الديم، توجد مكاتب سفريات تؤمن رحلات بين الخرطوم وأديس أبابا

ويقول مدير مكتب تابع لشركة الفنار تاتات للأنشطة المتعددة محمد إسماعيل: لدينا رحلات أسبوعية من حي الديم وسط الخرطوم إلى داخل العمق الإثيوبي في ولاية الحمراء، ورحلات يومية إلى مدينة القلابات الحدودية مع إثيوبيا، وبأسعار معقولة، إذ يبلغ سعر التذكرة من الديم إلى الحمرة 250 جنيها، ومن الديم إلى القلابات 115 جنيها

ويصف إسماعيل الشعب الإثيوبي بأنه حذر وذكي في آن

ويقول: الإثيوبيون شعب مسالم وحذر وذكي في الوقت نفسه، بدليل أنهم يصلون إلى السودان ولا يجيدون سوى لغتهم الأم وفي ظرف شهر واحد يتحدثون العربية بطلاقة



وكذلك يأتي معظمهم من دون مهنة أو مؤهل أكاديمي وخلال فترة وجيزة يكتسبون مهارات مهنية في مختلف المجالات

وامتدح إسماعيل العمالة الإثيوبية، قائلاً إنها منضبطة في عملها وتحترم المواعيد

وما يثبت حذرهم هو أنهم لا يودعون مدخراتهم المالية في المصارف السودانية، بل يحتفظون بها كوديعة عند بعض رجال الأعمال الإثيوبيين، رجال ثقة من كبار السن المقيمين في الديم والخرطوم منذ فترة طويلة، بحسب إسماعيل



 



تاريخ الإثيوبيين بالديم .. وإيجار بالغرفة





يقول السوداني أبوزر سليمان وهو من القليلين المقيمين في حي الديم، إن تاريخ الإثيوبيين في الديم يعود إلى فترة نهاية الستينات ومطلع السبعينات، إذ دفعت الأوضاع السياسية والاقتصادية في إثيوبيا بكثيرين إلى مغادرة بلادهم والاستقرار في السودان، نظراً إلى قربه جغرافياً من إثيوبيا، لافتاً إلى أن بعض الإثيوبيين يعتبرون السودان محطة عبور لبلدان أخرى عربية وغربية

وأضاف: الإثيوبيون في الديم يشكلون أغلبية، ونحن وسطهم أصحبنا كالجالية، إذ بين كل 100 شخص تجد 3 أو 5 سودانيين، مقدرا نسبة الإثيوبيين في الحي بما بين 95% و97% من إجمالي سكانه

وأرجع قلة السودانيين في الحي، إلى ارتفاع أسعار الإيجارات فيه

ويقول: ارتفاع الإيجارات أغرى سكان الحي الأصليين بمغادرته إلى أحياء أخرى أكثر رقياً وأقل كلفة، والاستفادة من فرق السعر في مجابهة متطلبات الحياة الأخرى

ويوضح سليمان أن نظام الإيجارات في الديم يختلف عن بقية مناطق الخرطوم والسودان الأخرى، إذ يعتمد على الإيجار بالغرفة الواحدة، لافتاً إلى أن إيجار الغرفة الصغيرة المبنية على الطراز الشعبي يتراوح ما بين 500 جنيه و600 جنيه، ويقيم في الغرفة الواحدة أكثر من 8 أشخاص يتقاسمون إيجارها، لذلك تجد أن المنزل الواحد يسكن فيه أكثر من 35 شخصا، وهناك إثيوبيون يستأجرون منزلا كاملا ثم يؤجرونه من الباطن بالرأس الواحد



 



زغني.. تبس.. شيرو



لا يزال الإثيوبيون المقيمون في حي الديم في الخرطوم، متمسكين بمأكولاتهم دون التأثر بالوجبات والأكلات السودانية، ومن أبرز الأكلات الشعبية الإثيوبية المفضلة لدى سكان الديم:-



1 - الزغني: تتكون من صلصلة وفلفل حار وصدور دجاج وبصل

2 - التبس: تتكون من لحم بقر أو ضأن وبصل وزيت وفلفل حار

3 - الشيرو: تتكون من طماطم وبصل وزيت

يتناولون هذه الوجبات بخبزة سميكة تصنع من الذرة وتسمى «أنجيرا» (كسرة)