ستيفن براير: الدبلوماسي الدستوري دور القضاة الأمريكيين الجديد

المحكمة والعالم

المحكمة والعالم

السبت - 26 سبتمبر 2015

Sat - 26 Sep 2015



المحكمة والعالم



الكاتب: ستيفن براير



الناشر: الفريد نوبف، 2015



في هذا الكتاب، يناقش القاضي ستيفن براير العمل في المحكمة العليا في الولايات المتحدة في عالم يزداد تواصلا يوما بعد يوم، في عالم تجبر فيه جميع أنواع النشاطات، من سلوك سياسة الأمن القومي إلى سلوك التجارة العالمية، المحكمة العليا على فهم ومراعاة الظروف في القضايا ذات الأبعاد الخارجية.

ونحن نعيش الآن في عالم من التواصل الفوري، التجارة السريعة والمشكلات المشتركة (مثل المخاطر الصحية العامة والتهديدات البيئية)، وهو عالم ترتبط فيه حياة الشعوب مع بعضها بعضا في شتى دول العالم أكثر من أي وقت مضى.



بالفعل، في وقت يستطيع فيه أي شخص تنفيذ عمليات تجارية دولية مباشرة للاستفادة من خدمات لم يكن بالإمكان الحصول عليها إلا في إطار نطاق محلي، أصبح من الواضح، حتى في الأمور العادية، أنه لم يعد بالإمكان الاكتفاء بالوعي في الأمور القانونية بالمعرفة المحلية.

من أجل اقتفاء آثار الطريق الذي سلكته الاعتبارات الدولية من أجل زيادة معرفة المحكمة العليا في الولايات المتحدة، يبدأ القاضي جوستن براير بالمجال القانوني الذي كان لهذه الاعتبارات أهمية خاصة فيه: الأمن القومي في بعده الدستوري وكيف يمكن للمحكمة العليا أن توازن هذا الأمر المهم مع أمور أخرى، بشكل خاص حماية الحريات الأساسية.



الدبلوماسي الدستوري



ويبين الكاتب أنه مع ازدياد صغر العالم، فإن أفق المحكمة العليا في الولايات المتحدة يزداد اتساعا بشكل حتمي: فقد أجبرت المحكمة على النظر في قضايا كثيرة تعتبر عابرة للحدود حاليا.

على سبيل المثال، ما هي الأبعاد الجغرافية التي يستطيع القانون الأمريكي أن يصل إليها فيما يتعلق بالتزوير في المجال الأمني، الانتهاكات المتعلقة بقضايا الاحتكار، أو حماية حقوق النشر؟ وفي إطار تقرير مثل هذه الأمور، هل تستطيع المحكمة العليا في الولايات المتحدة أن تفسر القوانين الأمريكية بحيث تكون سارية المفعول بشكل أكثر فعالية مع قوانين مشابهة في دول أخرى؟ومع أن من حق كل دولة في العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تقر القوانين الخاصة بها من خلال عمليات محلية، فإن سهولة عمل القانون الأمريكي وتطور المصالح والقيم الأمريكية يعتمد على عملها بشكل منسجم مع القوانين والأنظمة التي تتبعها الدول الأخرى.

القاضي ستيفن براير يبين كيف أن هدف إيجاد مثل هذا الانسجام، بالإضافة إلى توسيع مجال سيادة القانون بشكل عام، أضاف للقضاة الأمريكيين دورا جديدا يمكن تسميته بدور الدبلوماسي الدستوري، وهو دور يزداد أهمية بالنسبة إلى القضاة في هذا العالم الذي يتغير بسرعة ملحوظة.



الالتزام بالديموقراطية



والقاضي ستيفن براير كتب مقالات قانونية ومقالات رأي قضائية كثيرة، لكنه لم يكتف بذلك، بل أصدر عدة مؤلفات تتعلق بهذا المجال من أهمها كتاب «الحرية العملية»(2005) وكتاب «كيفية تفعيل ديموقراطيتنا» (2010)، وناقش في هذين الكتابين دور المحاكم في الحكومة والمجتمع، مؤكدا على واجب القضاة بأن يعملوا على الالتزام بالديموقراطية وتحسينها في البلد.

في كتاب «المحكمة والعالم»، يتناول القاضي براير موضوعا أوسع من ذلك ـ الذراع العالمية للقضاء في هذا العصر.

يقول الكاتب: إن القرارات الصادرة عن القضاء الأمريكي لها آثار دولية متزايدة، ويدافع عن محاولات القضاة الأمريكيين اعتبار نظرائهم الأجانب والقانون الدولي مصدرا للأفكار والمقاربات التفسيرية للقانون الأمريكي.

ويوضح القاضي براير التداعيات الواسعة للقانون الأمريكي من خلال تحليل القضايا الأخيرة المتعلقة بالولايات المتحدة الأمريكية.

في قرار يتعلق بمكافحة الاحتكار في 2004، على سبيل المثال، أصدرت المحكمة العليا قرارا يقضي بأن القوانين الأمريكية المتعلقة بالتلاعب بالأسعار في الصناعةلا تنطبق على نشاطات الصناعة التي تتم بالكامل خارج أراضي الولايات المتحدة، لأن مثل هذا التطبيق خارج أراضي البلد يمكن أن يتعدى على حقوق الدول الأخرى في وضع القوانين الخاصة باقتصادها الوطني.

ومع ذلك فقد أصدرت المحكمة العليا في 2013، في قضية تتعلق بحقوق النشر، قرارا يقضي بأن مبدأ «البيع الأول» في القانون الأمريكي، الذي يسمح للطرف الذي يشتري أعمالا تتمتع بحماية قوانين حقوق النشر بإعادة بيعها دون طلب تصريح من صاحب حق النشر الأصلي، ينطبق حتى عندما يحدث «البيع الأول» خارج أراضي الولايات المتحدة، وبررت المحكمة ذلك بأن أي قرار معاكس يمكن أن يمنع وصول سلع أو أفكار أجنبية إلى المستهلك الأمريكي..



ما وراء الأراضي الأمريكية



إن مثل هذه الحالات تبين كيف أن المصالح الأمريكية تمتد بشكل روتيني إلى ما وراء الأراضي الأمريكية، مما يضطر المحكمة العليا بالتالي لتوسيع مجالها القضائي والعملي لتشمل مناطق لم تكن تشملها في السابق.

حتى في الأمور التي تتعلق بتفسير الدستور بشكل عام، يعتقد الكاتب أن المبدأ نفسه يمكن تطبيقه، خاصة في القضايا التي تتعلق بالحريات المدنية وحقوق الإنسان، مثل الموقف من عقوبة الإعدام.

في قضية شهيرة باسم «روبر مقابل سيمونز»، والتي أصدرت المحكمة التي كانت منقسمة إلى حد كبير قرارا فيها بأغلبية بسيطة بأن الولايات لا يحق لها أن تطبق حكم الإعدام على أي متهم يقل عمره عن 18 عاما، استدلت الأغلبية بمعاهدة لم تصادق عليها الولايات المتحدة ـ ميثاق الأمم المتحدة حول حقوق الطفل- وقررت أن «الولايات المتحدة تقف الآن وحيدة في عالم يقف ضد عقوبة الإعدام على صغار السن»، وفي نهاية المطاف حركت المحكمة العليا القانون الأمريكي باتجاه الإجماع الدولي.

وفي حالة مماثلة، عندما صادقت المحكمة الأمريكية العليا على برنامج العمل الإيجابي الذي وضعته كلية القانون في جامعة ميتشجان، كتبت القاضية روث بادر، بالتعاون مع القاضي براير، مقالا منفصلا سلطت فيه الضوء على اتفاقات دولية ـ بما في ذلك اتفاقات لم تصادق عليها الولايات المتحدة- وشجعت على العمل الإيجابي، لكن مثل هذا الاستدلال أثار بعض الانتقادات من بعض القضاة الذين سلطوا الضوء على المعنى الأساسي للدستور، لكن القاضي براير يتجاوز هؤلاء النقاد في كتاب «المحكمة والعالم».

يقول: إن هؤلاء النقاد ربما يعانون من ظاهرة نزوح نفسي وإنهم يسيئون فهم ما يعنيه بالقوانين الأجنبية، وقرارات السلطات الأجنبية، في نهاية المطاف، ليست ملزمة، لكنها تساعد فقط القضاة الأمريكيين على إصدار قرارات أفضل دون تقييد استقلاليتهم في إصدار القرارات.



العوامل المشتركة



ويؤكد القاضي براير أن القضاة داخل الولايات المتحدة وخارجها وجدوا أن هناك عوامل مشتركة بينهم أكثر مما اعتادوا عليه في السابق، لكنه لا يتطرق إلى مسألة مهمة هنا وهي: إلى أي مدى هناك عوامل مشتركة مع الشعب الأمريكي الذي يستمد منه القضاة سلطاتهم، والذي يطبقون أحكامهم عليهم في نهاية الأمر؟ يجب القول هنا: إن كتاب «المحكمة والعالم»، رغم أهميته وقيمته القانونية العالية، إلا أنه يتناقض في بعض جوانبه مع الكتابين السابقين الذين نشرهما القاضي براير.

في ذلك الكتابين، على سبيل المثال، قال القاضي براير: إن مهمة المحكمة تشمل «حماية الحدود القانونية التي أوجدها الدستور، وعليها في نفس الوقت أن تشرح للمواطن الأمريكي العادي أسباب وطرق الحفاظ على نظام قضائي قوي في البلاد».

بهذه الطريقة، يمكن للمحكمة أن تساعد في تطبيق الديموقراطية بشكل ينسجم مع تطلعات ومصلحة الوطن والمواطن، لكن القاضي براير لا يؤكد على نفس المبادئ في هذا الكتاب، على الأقل عندما يتحدث عن عالم القانون الدولي، فهو يحث المحكمة الأمريكية العليا، على سبيل المثال، على لعب دور في النظام الدولي لكنه لا يقول أبدا إن على المحكمة العليا أن تحاول «حماية» النظام القانوني الدولي أو إقناع العالم على تبني دور أمريكي قوي.



ستيفن براير قاض مشارك في المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية.

يقيم القاضي براير في كل من ماساتشوسيتس والعاصمة واشنطن.