الأسد وإردوغان الإخوة الأعداء
الاثنين - 22 يوليو 2024
Mon - 22 Jul 2024
في السياسة كل شيء قابل للتغيير وفق مبدأ المصلحة.
عدو الأمس يمكن أن يكون صديق اليوم.
والأخير قد يتحول إلى غريم الغد.
هذه طبيعة السياسة.
والحروب العالمية التي شهدها العالم، دليل على ذلك.
في الحرب العالمية الأولى، تحولت أوروبا وأطرافها إلى معسكرين.
الأول جمع الحلف الثلاثي، المملكة المتحدة وفرنسا والأمبراطورية الروسية.
والثاني تكتل من ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية وبلغاريا.
توقفت الحرب ووضعت أوزارها بعد حوالي خمس سنوات.
خسر الجميع ما خسر.
والنتيجة بعد عقود؛ الجميع تقريبا في مظلة اتحاد عالمي؛ يعد من أقوى وأبرز التكتلات الاقتصادية والبشرية والسياسية والعسكرية.
القصد من هذا الاستشهاد، هو أن المصالح هي من تعمل على توجيه صناع السياسة، وليس العكس.
وقس على ذلك جميع العلاقات الدولية والسياسية.
ويجوز بالمناسبة وضع التلميحات التي وشت خلال الأسابيع الماضية، بعودة علاقات دمشق وأنقرة إلى سابق عهدها في تلك الخانة.
إذ إنه وكما يتضح، أن لدى تركيا، الرغبة في تصحيح مسار العلاقات مع سوريا، بنظامها وشكلها الحالي.
وهذا يتأكد من قول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ذات مرة، وهو عائد من حضور مباراة منتخب بلاده الوطني في كأس أوروبا لكرة القدم، التي احتضنتها ألمانيا «قد نوجه دعوة للرئيس بشار الأسد في أي وقت».
السؤال؛ ما الذي دفع إردوغان لتغيير قناعاته.؟ الجواب: فلاديمير بوتين.
لماذا.؟ لأنه يسعى – أقصد بوتين - لتعزيز الاستقرار، كونه بات متحكما في ذاك الجزء من العالم، ويريد اتساع نفوذه في المنطقة، من خلال بسط مزيد من السيطرة.
ماذا عن الحسابات التركية؟ أنقرة على يقين بأنه لا يمكن لها التفريط في العلاقة مع الدب الروسي، ولديها الاستعداد المطلق لتقديم تنازلات من أي نوع، لأن رجب طيب إردوغان يعي أن موسكو ليست حليفا افتراضيا لبلاده فحسب، إنما يمكنه من خلال تقارب عميق، الاستفادة من نزعة بوتين تجاه الغرب، في ابتزاز أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، وقت ما يشاء.
والماكر الروسي لن يتردد عن ذلك. هذا من ناحية.
ومن الناحية الأكثر أهمية؛ ربما يفكر النظام التركي، بإقناع موسكو بأن تضع القوات الكردية شمال شرق سوريا، وهي المؤرق الأساسي لأنقرة، في سلة الجماعات المسلحة «السنية والشيعية» التي تقتنصها القوات الروسية في سوريا بين فينة وأخرى، بعد أن عقدت موسكو العزم على تطهير الأراضي السورية من تلك الجماعات.
فوارد جدا أن إردوغان يفكر بثمن ما، يتمحور حول القضاء على تلك الأحزاب المسلحة على حدود بلاده، باليد الروسية.
أعود للعلاقات السورية التركية، وأستطيع التأكيد بأنها علاقات مركبة ومعقدة للغاية.
فالسوريون لم يكونوا يوما راضون عن الدولة العثمانية وركائزها من الأساس، لا سيما وأن الجيش التركي أمضى أكثر من أربعة قرون يضع يده على الأراضي السورية. وهذا لا يمكن نسيانه.
وفي المقابل، لدى القيادة التركية حساسية كبرى من العلويين الذين يحكمون سوريا، منذ الأسد الأب، وحتى الابن.
وذلك ما خلق حالة من التراكمات التي يجوز وصفها بالعدائية بين الدولتين، وقد ظهرت على السطح بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، حين وصف إردوغان الأسد مرارا، بالمجرم الإرهابي.
وجاء الرد على لسان الرئيس السوري، بأن إردوغان محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ويعمل في إطار الجماعة لا الدولة.
وما سبق يستحيل أن يكون بمعزل عن تقاذف التهم بين البلدين، وهذا ملف في منتهى الحساسية، ولطالما كان متصدرا المواجهة بين البلدين.
ماهو.؟ سوريا تتهم تركيا بتقديم الرعاية المطلقة لجماعات مسلحة تحارب الأسد، وفي أغلبها تنطلق من تركيا، وغرف عملياتها العسكرية في الأراضي التركية، منذ اندلاع الأزمة.
وبالمقابل تعتبر أنقرة أن ردا على احتواء دمشق الأحزاب الكردية، العدو اللدود لتركيا منذ عشرات السنين؛ لذا من باب المكر السياسي، منح الأسد الأكراد الجنسية السورية، بعد أن عاشوا عقودا مجهولي الهوية.
وتلك خطوة حق يراد بها باطل.
أين يكمن الباطل.؟ أولا: برغبة الأسد احتساب الأكراد كشريحة «تأخذ صفة الأقلية»، مؤيده لنظامه، ولا مانع من توظيفها في نواح انتخابية.
ثانيا: مناكفة أنقرة، من خلال غض الطرف عن الأذرع المسلحة للأحزاب الكردية.
وهي في الحقيقة ليست أحزابا؛ لأنها تفتقد للعمل السياسي شكلا ومضمونا.
وحتى مشاركتها في العمل الوطني يكاد لا يذكر، وهذا يتضح من التمثيل الكردي في البرلمان السوري؛ والتشكيل الحكومي فيما يتعلق بالوزارات.
إن تلك الرغبة التي قدمت من طرف واحد – أعني الرئيس التركي – وترمي لخطب ود سيد دمشق، لإعادة المياه لمجاريها بين البلدين، ولم يسبقها إعلان لحسن النوايا؛ تؤكد أنها عبارة عن تلبية لطلب «لا أريد أن أقول أمر جاء من الكرملين» في موسكو؛ لذا كان الأسد نبيها في استقبالها، وعمل على الاستفادة منها، إذ قال «يجب انسحاب تركيا من أراضينا، ووقف دعم المجموعات المسلحة».
أتصور أننا أمام فكرة عنوانها التصالح والتقارب.
كنت سأقول إنها لن تنجح إذا اعتمدت على دمشق وأنقرة، لأسباب تاريخية.
لكني تراجعت؛ لأن عراب القصة قادم من الشرق.
حيث الجليد، ومصانع الحديد والنار. ولنر قادم الأيام.
وحتى لا تتفرغ فكرتي هذا النهار من مضمونها، سأفترض أنني أمام رواية.
عنوانها: الأسد وإردوغان.. الإخوة الأعداء.
عدو الأمس يمكن أن يكون صديق اليوم.
والأخير قد يتحول إلى غريم الغد.
هذه طبيعة السياسة.
والحروب العالمية التي شهدها العالم، دليل على ذلك.
في الحرب العالمية الأولى، تحولت أوروبا وأطرافها إلى معسكرين.
الأول جمع الحلف الثلاثي، المملكة المتحدة وفرنسا والأمبراطورية الروسية.
والثاني تكتل من ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية وبلغاريا.
توقفت الحرب ووضعت أوزارها بعد حوالي خمس سنوات.
خسر الجميع ما خسر.
والنتيجة بعد عقود؛ الجميع تقريبا في مظلة اتحاد عالمي؛ يعد من أقوى وأبرز التكتلات الاقتصادية والبشرية والسياسية والعسكرية.
القصد من هذا الاستشهاد، هو أن المصالح هي من تعمل على توجيه صناع السياسة، وليس العكس.
وقس على ذلك جميع العلاقات الدولية والسياسية.
ويجوز بالمناسبة وضع التلميحات التي وشت خلال الأسابيع الماضية، بعودة علاقات دمشق وأنقرة إلى سابق عهدها في تلك الخانة.
إذ إنه وكما يتضح، أن لدى تركيا، الرغبة في تصحيح مسار العلاقات مع سوريا، بنظامها وشكلها الحالي.
وهذا يتأكد من قول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ذات مرة، وهو عائد من حضور مباراة منتخب بلاده الوطني في كأس أوروبا لكرة القدم، التي احتضنتها ألمانيا «قد نوجه دعوة للرئيس بشار الأسد في أي وقت».
السؤال؛ ما الذي دفع إردوغان لتغيير قناعاته.؟ الجواب: فلاديمير بوتين.
لماذا.؟ لأنه يسعى – أقصد بوتين - لتعزيز الاستقرار، كونه بات متحكما في ذاك الجزء من العالم، ويريد اتساع نفوذه في المنطقة، من خلال بسط مزيد من السيطرة.
ماذا عن الحسابات التركية؟ أنقرة على يقين بأنه لا يمكن لها التفريط في العلاقة مع الدب الروسي، ولديها الاستعداد المطلق لتقديم تنازلات من أي نوع، لأن رجب طيب إردوغان يعي أن موسكو ليست حليفا افتراضيا لبلاده فحسب، إنما يمكنه من خلال تقارب عميق، الاستفادة من نزعة بوتين تجاه الغرب، في ابتزاز أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية، وقت ما يشاء.
والماكر الروسي لن يتردد عن ذلك. هذا من ناحية.
ومن الناحية الأكثر أهمية؛ ربما يفكر النظام التركي، بإقناع موسكو بأن تضع القوات الكردية شمال شرق سوريا، وهي المؤرق الأساسي لأنقرة، في سلة الجماعات المسلحة «السنية والشيعية» التي تقتنصها القوات الروسية في سوريا بين فينة وأخرى، بعد أن عقدت موسكو العزم على تطهير الأراضي السورية من تلك الجماعات.
فوارد جدا أن إردوغان يفكر بثمن ما، يتمحور حول القضاء على تلك الأحزاب المسلحة على حدود بلاده، باليد الروسية.
أعود للعلاقات السورية التركية، وأستطيع التأكيد بأنها علاقات مركبة ومعقدة للغاية.
فالسوريون لم يكونوا يوما راضون عن الدولة العثمانية وركائزها من الأساس، لا سيما وأن الجيش التركي أمضى أكثر من أربعة قرون يضع يده على الأراضي السورية. وهذا لا يمكن نسيانه.
وفي المقابل، لدى القيادة التركية حساسية كبرى من العلويين الذين يحكمون سوريا، منذ الأسد الأب، وحتى الابن.
وذلك ما خلق حالة من التراكمات التي يجوز وصفها بالعدائية بين الدولتين، وقد ظهرت على السطح بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، حين وصف إردوغان الأسد مرارا، بالمجرم الإرهابي.
وجاء الرد على لسان الرئيس السوري، بأن إردوغان محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ويعمل في إطار الجماعة لا الدولة.
وما سبق يستحيل أن يكون بمعزل عن تقاذف التهم بين البلدين، وهذا ملف في منتهى الحساسية، ولطالما كان متصدرا المواجهة بين البلدين.
ماهو.؟ سوريا تتهم تركيا بتقديم الرعاية المطلقة لجماعات مسلحة تحارب الأسد، وفي أغلبها تنطلق من تركيا، وغرف عملياتها العسكرية في الأراضي التركية، منذ اندلاع الأزمة.
وبالمقابل تعتبر أنقرة أن ردا على احتواء دمشق الأحزاب الكردية، العدو اللدود لتركيا منذ عشرات السنين؛ لذا من باب المكر السياسي، منح الأسد الأكراد الجنسية السورية، بعد أن عاشوا عقودا مجهولي الهوية.
وتلك خطوة حق يراد بها باطل.
أين يكمن الباطل.؟ أولا: برغبة الأسد احتساب الأكراد كشريحة «تأخذ صفة الأقلية»، مؤيده لنظامه، ولا مانع من توظيفها في نواح انتخابية.
ثانيا: مناكفة أنقرة، من خلال غض الطرف عن الأذرع المسلحة للأحزاب الكردية.
وهي في الحقيقة ليست أحزابا؛ لأنها تفتقد للعمل السياسي شكلا ومضمونا.
وحتى مشاركتها في العمل الوطني يكاد لا يذكر، وهذا يتضح من التمثيل الكردي في البرلمان السوري؛ والتشكيل الحكومي فيما يتعلق بالوزارات.
إن تلك الرغبة التي قدمت من طرف واحد – أعني الرئيس التركي – وترمي لخطب ود سيد دمشق، لإعادة المياه لمجاريها بين البلدين، ولم يسبقها إعلان لحسن النوايا؛ تؤكد أنها عبارة عن تلبية لطلب «لا أريد أن أقول أمر جاء من الكرملين» في موسكو؛ لذا كان الأسد نبيها في استقبالها، وعمل على الاستفادة منها، إذ قال «يجب انسحاب تركيا من أراضينا، ووقف دعم المجموعات المسلحة».
أتصور أننا أمام فكرة عنوانها التصالح والتقارب.
كنت سأقول إنها لن تنجح إذا اعتمدت على دمشق وأنقرة، لأسباب تاريخية.
لكني تراجعت؛ لأن عراب القصة قادم من الشرق.
حيث الجليد، ومصانع الحديد والنار. ولنر قادم الأيام.
وحتى لا تتفرغ فكرتي هذا النهار من مضمونها، سأفترض أنني أمام رواية.
عنوانها: الأسد وإردوغان.. الإخوة الأعداء.