طرد المواطن من سوق الأسهم

عندما تتحرك مؤشرات أسواق المال خلال تذبذبها بموجة تصاعدية، يرافق ذلك أحيانا ظواهر اجتماعية حيث تصبح حديث المجالس، مما يزيد من مستوى سيولة السوق ويعزز ارتفاعها.

عندما تتحرك مؤشرات أسواق المال خلال تذبذبها بموجة تصاعدية، يرافق ذلك أحيانا ظواهر اجتماعية حيث تصبح حديث المجالس، مما يزيد من مستوى سيولة السوق ويعزز ارتفاعها.

السبت - 20 ديسمبر 2014

Sat - 20 Dec 2014



 



 



عندما تتحرك مؤشرات أسواق المال خلال تذبذبها بموجة تصاعدية، يرافق ذلك أحيانا ظواهر اجتماعية حيث تصبح حديث المجالس، مما يزيد من مستوى سيولة السوق ويعزز ارتفاعها. في هذه المرحلة ينسحب بجزء كبير من السيولة المتداول المحترف مبكرا قبل لحظة النزيف للشراء بمستويات سعرية مغرية لاحقا. بعد أن يكون تعلق بأسعار مرتفعة كثيرون من المتداولين الصغار، والذين لم يسترد الكثير منهم خسائر انهيارات متعددة منذ ثمانية أعوام.

في هذه اللحظة يبدأ الحديث عن خطورة أسواق المال، وهجاء السوق وهواميره، لطرد المواطن من السوق، بحجة الخوف على ماله. لا يسأل هؤلاء كيف يستثمر المواطن الموظف في القطاع الحكومي أمواله المحدودة بعشرات الآلاف والتي لا توفر له عقارا، ولا قيمة أرض، ولا يتيح له النظام أن يستخرج تصريحا لأي نشاط تجاري صغير، وحتى المشاريع الصغيرة هي الأخرى أصبحت اليوم بحاجة إلى مبالغ كبيرة بمئات الآلاف من الريالات. ولهذا يظل سوق المال هو الأفضل على المدى الطويل للمواطن والموظف الحكومي، ليستفيد من قوة اقتصاد الدولة.

تجاوزنا أكثر من عقد على نظام التداول الالكتروني في سوقنا المالية، وحدث للسوق خلالها العديد من الارتفاعات والانهيارات المروعة. ما هو لافت أن جميع هذه الانهيارات المؤلمة جدا، وشعور الفرد العادي بالغدر المالي لحدوثها.. لم يكن لهما علاقة بقوة اقتصادنا أو ضعفه، فهذه السنوات العشر بأرقامها التريليونية سجلت مرحلة ذهبية فارقة في تاريخ الوطن، لكن أسواق المال بطبيعتها تخترع لحظات انهيارها وتشاؤمها، كما تخترع لحظات صعودها وتفاؤلها. وفي أسواق المال بدون خبرات شخصية ومتابعة دقيقة لسلوكها وممارسة اتخاذ قرارات لحظية واستراتيجية، لن يتمكن الفرد العادي من استيعاب نصائح وتحذيرات المحللين للأسواق، ولن يدرك لماذا في حالات كثيرة تمكر بالمتعاملين، فهي ليست مجرد بيع وشراء وتوصيات ونصائح تقليدية عامة، وانطباعات وتصريحات خبراء، وإنما شبكة معقدة من التصورات لحركة الاقتصاد العالمي المعاصر، والسلوك الإنساني.. لتطوير القدرات الذاتية للتنبؤ بالخطر. «يشير ستيغليتز إلى أنه حتى في البلدان المتقدمة جدا تعمل الأسواق بطريقة مختلفة بشكل كبير عن الطريقة المتخيلة في نظريات الأسواق الصحيحة»، لذا يصعب تعريف أسواق المال للآخرين بدقة كما هي في الواقع، ويكشف كثير من التعليقات عن سوق المال حجم الجهل وخطأ التصورات حول ماذا يعني سوق مال، وأسلوب التعامل معه.

لهذا يلاحظ في أحاديث نقد الفساد عدم التمييز بين سلوك خاص بطبيعة الأسواق المالية، لا يمكن تعديله والتدخل فيه، والفساد الخاص بتفاصيل حول أداء الشركات والمضاربين، وكبار الملاك والمديرين التنفيذيين، وأخطاء هيئة سوق المال في أكثر من مرحلة، ومشكلات قطاع المحاسبة الذي ما زال بحاجة إلى رقابة، حيث تطبخ القوائم المالية وتسجل أرباح غير حقيقية وتجمل على حساب المستثمر الصغير.

هناك أخطاء عديدة خاصة بالتعامل الإعلامي، فالحديث الموسع إعلاميا عن السوق لا يأتي إلا عند النزيف الحاد للمؤشر فقط، ولا توجد هذه التغطيات الموسعة لعشرات الأخطاء والفضائح لشركات عدة، واكتتابات في قطاع التأمين، والاتصالات، والمقاولات كقضية شركة المعجل وغيرها. وفي الأسبوع الماضي جاءت تصريحات وزير المالية، ووزير البترول متأخرة بعد انهيار حدث لأيام عدة، وبعد أن كسر السوق عدة دعوم، وتضرر عدد كبير من المستثمرين، قبل أن يسترد ألف نقطة خضراء في آخر جلستي تداول. بطء المسؤول يتكرر كثيرا، فبالنسبة لمستثمري سوق المال يعد اليوم والأسبوع مدة طويلة جدا، ويمكن حصر هذه النماذج من الأخطاء الإعلامية والتصريحات بقصص صحفية مستقلة منذ 2006م، ليستفيد منها المسؤول ويتجنبها. في هذه المرحلة ما هو أهم من التحذير الغامض من السوق ومن خطر الهوامير، وكأنهم يجب أن يكونوا فاعلي خير.. يجب أن يكون التحذير من الجهل بطبيعة الأسواق المالية، وليس من السوق لطرد المستثمر الصغير وتركه للكبار.