في طريقِ الوداع!

من طبيعة هذه الحياة الارتحال والتنقل، حتى بعد أن أصبح الإنسان كائنا متحضرا، يسكن البيوت بعد الكهوف والخيام، إلا أن الرحيل ظل يلازمه بصورة أو أخرى، متنقلا من بلد إلى آخر، متغربا عن وطنه وأهله، باحثا عن الرزق في مناكب الأرض.

من طبيعة هذه الحياة الارتحال والتنقل، حتى بعد أن أصبح الإنسان كائنا متحضرا، يسكن البيوت بعد الكهوف والخيام، إلا أن الرحيل ظل يلازمه بصورة أو أخرى، متنقلا من بلد إلى آخر، متغربا عن وطنه وأهله، باحثا عن الرزق في مناكب الأرض.

الثلاثاء - 07 أبريل 2015

Tue - 07 Apr 2015



من طبيعة هذه الحياة الارتحال والتنقل، حتى بعد أن أصبح الإنسان كائنا متحضرا، يسكن البيوت بعد الكهوف والخيام، إلا أن الرحيل ظل يلازمه بصورة أو أخرى، متنقلا من بلد إلى آخر، متغربا عن وطنه وأهله، باحثا عن الرزق في مناكب الأرض.

في الماضي البعيد كان المقيم يودّع المسافرين، أو الظاعنين كما يسمّيهم أجدادنا العرب، وهو ينظر بعيون دامعة إلى قافلة الإبل التي ستحملهم، يقول الشاعر الأعشى:

ودّع هريرة إن الركب مرتحلُ

وهل تطيق وداعاً أيها الرجُل؟!

والمعروف عن قصائد المعلقات، أن الشعراء يفتتحونها بقصة حُب، وأحد تفاصيل تلك القصة هو الوداع.

ومن منا لا يحفظ المطلع الشهير، لمعلقة امرئ القيس:

قِفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

بسِقطِ اللِّوى بين الدخولِ فحَوملِ

وهنا وقفة مع هذه الأبيات العذبة للشاعر محمد بن القاسم، الذي رحل من مصر إلى بغداد، وتوفي بها في العصر العباسي.

وهي أبيات شهيرة تحولت إلى موّال، في العديد من الحناجر عبر الأزمنة حتى اليوم، ومنها قوله:

لما أناخوا قُبيل الصبحِ عيسهمُ

وحمّلوها وسارت بالدجى الإبلُ

وأرسلتْ من خلال السجفِ ناظرَها

ترنو إلي ودمعُ العينِ ينهملُ

وودّعتْ ببنانٍ زانهُ عَنمُ

ناديتُ لا حملتْ رجلاكَ يا جملُ

يا حادي العيسِ عرّج كي نودّعهم

يا حادي العيسِ في ترحالكَ الأجلُ

إنّي على العهدِ لم أنقُض مودّتهم

يا ليت شِعري لطولِ البُعدِ ما فَعلوا؟!

وللشاعر إيليا أبو ماضي قصيدة رقراقة طويلة، عنوانها: وداعٌ وشكوى، يقول في مطلعها:

أزفَ الرحيلُ وحان أن نتفرقا

فإلى اللقا يا صاحبيَّ إلى اللقا

إن تبكيا فلقد بكيتُ من الأسى

حتى لكدتُ بأدمعي أن أَغرقا

وتسعرتْ عند الوداع أضالعي

ناراً خشيتُ بحرّها أن أُحرقا

ويصف أبو ماضي حالته وحالة أحبابه يوم الوداع قائلا:

أكبادُنا خفاقةٌ وعيونُنا

لا تستطيعُ من البكا أن ترمُقا

نتجاذب النظرات وهي ضعيفةٌ

ونُغالب الأنفاس كي لا تُزهقا

وأجمل ما في القصيدة، أن أبا ماضي ما زال لديه الأمل باللقاء، حيث يقول:

يا صاحبيَّ تصبّرا فلربما

عدنا وعاد الشملُ أبهى رونقا.!

وهكذا، تمضي حياة الإنسان من وداع إلى وداع، وطالما بقي من ودّعناه حياً يرزق؛ فالأمل باللقاء يبقى مستمرا، لكن ليتَ شِعري، كيف لنا أن نلقى غاليا، فرّق بيننا وبينه وداعُ الموت؟!

من أشهر قصائد الوداع، التي مات أصحابها سريعا بعدها، قصيدة مالك بن الريب في رثاء نفسه، وهي مليئة باللوعة والحزن، ومن تلك القصائد أيضا، قصيدة الشاعر علي بن زريق البغدادي، وهي مع قصيدة مالك بن الريب، تعدّان من عيون الشعر العربي.

من قصيدة ابن زريق هذا البيت:

وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحى

وأدمعي مستهلاتٌ وأدمعهُ

أيها الأعزاء، ودّعوا أحبابَكم بحرارة، واستقبلوهم بلهفة، وعيشوا على أمل اللقاء.!