قواعد في أدب الاختلاف

أولا: أنواع الاختلاف وأسبابه

أولا: أنواع الاختلاف وأسبابه

الخميس - 26 مارس 2015

Thu - 26 Mar 2015



أولا: أنواع الاختلاف وأسبابه

الاختلاف نوعان: اختلاف مذموم، واختلاف محمود:

أ - الاختلاف المذموم:

وهو اختلاف تضاد، ويرجع إلى أسباب خلقية متعددة منها:

(الغرور بالنفس والإعجاب بالرأي - سوء الظن والمسارعة إلى اتهام الآخرين بغير بينة - الحرص على الزعامة - اتباع الهوى - التعصب لأقوال الأشخاص والمذاهب - العصبية لبلد أو جماعة - قلة العلم - عدم التثبت في نقل الأخبار وسماعها...).. وهذه الأسباب وغيرها من الرذائل الأخلاقية والمهلكات هي التي ينشأ عنها اختلاف غير محمود وتفرق مذموم.

ب - الاختلاف المحمود:

وهو اختلاف تنوع، وهو عبارة عن الآراء المتعددة التي تصب في مشرب واحد. وهذه الاختلافات مردها إلى أسباب فكرية، واختلاف وجهات النظر، في بعض القضايا العلمية كالخلاف في فروع الشريعة، وبعض مسائل العقيدة التي لا تمس الأصول القطعية.

وكذلك الاختلافات في بعض الأمور العملية، كالخلاف في بعض المواقف السياسية، ومناهج الإصلاح والتغيير، ويدخل في الخلافات الفكرية: اختلاف الرأي في تقويم بعض المعارف والعلوم مثل: علم الكلام والمنطق والفلسفة والتصوف. والاختلاف في تقويم الأحداث التاريخية وبعض الشخصيات التاريخية والعلمية.

وهذا الخلاف ليس فيه مذمة، وإنما الذم في عدم مراعاة آداب الخلاف العملية والأخلاقية التي سيأتي ذكرها لاحقا.

وجود الخلاف في خير قرون الأمة:

لقد كان الخلاف موجوداً في عصر الأئمة المتبوعين الكبار: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والثوري والأوزاعي وغيرهم. ولم يحاول أحد منهم أن يحمل الآخرين على رأيه، أو يتهمهم في علمهم أو دينهم من أجل مخالفتهم.

بل كان الخلاف موجوداً في عصر شيوخ الأئمة وشيوخ شيوخهم من التابعين الكبار والصغار، وموجودا في عصر الصحابة نظراً لاختلاف أفهامهم وتفسيرهم للنصوص.

بل إن الخلاف وجد في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأقره ولم ينكره، كما في قضية صلاة العصر في بني قريظة، وهي مشهورة، وفي غيرها من القضايا.

ثانيا: الاختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة

أ- الاختلاف ضرورة

الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية غير الأساسية ضرورة لا بد منها، بسبب طبيعة الدين، واللغة، وطبيعة الكون والحياة.

فأما طبيعة الدين: فقد أراد الله أن يكون في أحكامه المنصوص عليه والمسكوت عنه، وأن يكون في المنصوص عليه: المحكمات والمتشابهات، والقطعيات والظنيات، والصريح والمؤول، لتعمل العقول في الاجتهاد والاستنباط، فيما يقبل الاجتهاد.

ولو شاء الله لأنزل كتابه كله نصوصا محكمة قطعية الدلالة، لا تختلف فيها الأفهام، ولا تتعدد التفسيرات، ولكنه لم يفعل ذلك، لتتفق طبيعة الدين مع طبيعة اللغة، وطبيعة الناس وضروريات الزمن.

وأما طبيعة اللغة: فإن نصوص القرآن والسنة جاءت على وفق ما تقتضيه اللغة في المفردات والتراكيب، ففيها اللفظ المشترك الذي يحتمل أكثر من معنى، وفيها ما يحتمل الحقيقة والمجاز، والعام والخاص، والمطلق والمقيد.

وأما طبيعة البشر: فقد خلقهم الله مختلفين، فكل إنسان له شخصيته المستقلة، وتفكيره المتميز، وميوله الخاصة، ومن العبث صب الناس في قالب واحد، ومحو كل اختلاف بينهم، فهذا أمر مخالف للفطرة التي فطر الله عليها الناس.

وأما طبيعة الكون والحياة: فالكون الذي نعيش في جزء صغير منه، خلقه الله سبحانه مختلف الأنواع والصور والألوان، وهذا الاختلاف ليس اختلاف تضارب وتناقض بل هو اختلاف تنوع.

وكذلك طبيعة الحياة، فهي أيضا تختلف وتتغير بحسب مؤثرات متعددة، في المكان والزمان.

فالخلاف سنة كونية اقتضتها الحكمة الإلهية، قال الله عز وجل “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة” [هود: 118 - 119].

ب - الاختلاف رحمة

الاختلاف كذلك رحمة بالأمة وتوسعة عليها، ولهذا اجتهد الصحابة واختلفوا في أمور جزئية كثيرة، ولم يضيقوا ذرعا بذلك بل نجد الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز يقول عن اختلاف الصحابة رضي الله عنهم: (ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة).

ج - الاختلاف ثروة:

اختلاف الآراء الاجتهادية يثري الفقه، وينمو ويتسع، لأن كل رأي يستند إلى أدلة واعتبارات شرعية، وبهذا التعدد والتنوع تتسع الثروة الفقهية التشريعية، وإن تعدد المذاهب الفقهية وكثرة الأقوال، كنوز لا يقدر قدرها، وثروة لا يعرف قيمتها إلا أهل العلم والبحث، فقد يكون بعضها أكثر ملاءمة لزمان ومكان من غيرهما.