خطبة الجمعة في المدينة: حضر أبو العتاهية وأوشك القرآن أن يغيب..!

لطالما تعوّدنا أنّ حظّ المسجدِ النبويّ: «أئمةً» من حيثُ حسن الصوتِ، و: «خطباء» من حيثُ جزالة القول مبنىً ومعنىً ؛ أقلّ بكثيرٍ مما يناله المسجدُ الحرام

لطالما تعوّدنا أنّ حظّ المسجدِ النبويّ: «أئمةً» من حيثُ حسن الصوتِ، و: «خطباء» من حيثُ جزالة القول مبنىً ومعنىً ؛ أقلّ بكثيرٍ مما يناله المسجدُ الحرام

الجمعة - 19 ديسمبر 2014

Fri - 19 Dec 2014



لطالما تعوّدنا أنّ حظّ المسجدِ النبويّ: «أئمةً» من حيثُ حسن الصوتِ، و: «خطباء» من حيثُ جزالة القول مبنىً ومعنىً ؛ أقلّ بكثيرٍ مما يناله المسجدُ الحرام. إذ تجاوزَ بنا هذا الإلِفُ، حدّاً ظنّ معهُ كثيرٌ من العوام، أنّ هذا أصلٌ شرعيٌّ، فلم يكن مناصٌ إلا السكوت عليه ذلك أنّ مشيخة (شؤون الحرمين أبخص)!

حللتُ قبل أسبوعين، ضيفاً على دار الهجرةِ؛ حيثُ مسجدُ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلّم، وحيث مثوى أعظمه العطرات، وحيثُ مهوى أفئدة محبيه. وحظيتُ حينذاك - كبقية المصلين- بصلاتي المغرب والعشاء الآخر بصوتين ندييّن عذبين. أما أولاهما فقد كان الشيخ أحمد طالب بن حميد، وأما الآخر فقد كان الشيخ عبدالله البعيجان. وبهما قد انتقض ما كنّا تعوّدناه قبلاً، وظنناه إذ ذاك قدراً شرعياً ليس يصحّ الانفكاك عنه. بيد أنّ السماع صلاةً لهذين الإمامين قد أرجعنا إلى الأيام الخوالي للأئمة الأكثر تميّزاً (الحذيفي/ محمد أيوب/ الثبيتي) فعادت على نحوٍ يدفعنا للتفاؤل أكثر.. ولا يُخامرني شكٌّ في أنّ في جعبة الشيخ: «عبدالرحمن السديس» الكثيرَ للحرمين شؤون الأئمة واحدٌ منها فانتظروا المزيد.

وفي هذا السياق - وهو غاية ما رُمته كتابةً - يُمكن أن يقال في شأنِ: «الخطبة» ما قد قيل بحقّ الإمامةِ إذ أمّنا الجمعةَ الفارطة الشيخ: «صلاح البدير» وهو غنيٌّ عن أن يُعرّف به جرّاء ما هو عليه من تميّز وقد خبر الجميعُ عنه ذلك إذ لبث فينا عُمراً إماماً للمسجد النبوي وخطيباً إلا أنّه قد استوقفني في خطبته أمرنا إيجابيٌ وسلبيٌّ:

*أما الإيجابيّ فموضوع الخطبةِ حيث كان وعظاً يُعنى بأعمال القلوب في زمنٍ قد طال علينا أمدٌ من الجدب الوعظيّ نفتقر فيه لموضوعاتٍ تأتي على هذا النحو الذي من شأنه أن يُحيي موات قلوبنا فتخضرّ تُقى وتُزهر يقيناً وتُخصب إخلاصا.

*أما السّلبي - فيما أحسب - فهو الذي قد تأذيتُ منه كثيراً وذلك يومَ أن غفل الشيخ البدير عن تكثيف الوعظ بالقرآن - ونعمّا الوعظ - به - وانتصر بالتالي للشّعِر أثناء خُطبتِه فجاءت هذه الأخيرة مثقلة بالشعر أبياتاً تتلوها أُخَر فيما تمرق آية الذكر الحكيم على استحياء.. أما الوعظ بالسنة فلعلّي لم أسمع غير حديث أو اثنين..!

- وليس بخافٍ لا على – البدير- ولا على من دونه علماً أنّ الشعر لم يكن له أدنى حضور فيما حُفظ عن النبي من خطبٍ ولا عن الخلفاء الراشدين من بعده إذا ما استثنينا ما نُسب لعليّ رضي الله عنهم أجمعين وهو عند التحقيق يوشك ألا يصمد ثبوتاً ولا يتعيّن صِحّةً.! بيد أنّ ابتداع الإكثار منه - خطباً/ ووعظاً - جاء مع بني أميّة ثم تكرّس كثرةً في عهد: «القصّاصين» أيامَ العباسيين.!