إياب "علي بابا"

كان التقصي فيما مضى عن كيف تُخلق الإثارة على كافة المستويات سواء كانت سمعية أو مرئية أو في الواقع المعيش

كان التقصي فيما مضى عن كيف تُخلق الإثارة على كافة المستويات سواء كانت سمعية أو مرئية أو في الواقع المعيش

الاحد - 08 مارس 2015

Sun - 08 Mar 2015



كان التقصي فيما مضى عن كيف تُخلق الإثارة على كافة المستويات سواء كانت سمعية أو مرئية أو في الواقع المعيش.

الآن وبفضل تسارع الأحداث ووصولها إلى ذروة الرغبات البشرية في الحصول على كل شيء، تصاعدت رغبة عكسية هي كيفية الحصول على السكون أو الإثارة أو إن شئت كفّ الانفعال وخفض رهافة الأحاسيس وتوهجها.

السر في هذه الحالة التي طرأت على البشرية في عقدها الأول بعد القرن الواحد والعشرين، هو التناقض بين حالات الاكتفاء أو الإشباع والتي تفسّر اقتصادياً بتدرج الحاجات، وبين قصور هذه الحاجات عن أغلب سكان الأرض لدرجة الفاقة.

وطبيعي أن ينقسم سكان الأرض إزاء هذا الوضع إلى أقلية متنعمة لدرجة الملل من الترف والتملّك، لدرجة أن فكّر بعض منهم في غزو كواكب أخرى، كالمريخ والذي بات العيش فيه قاب قوسين أو أدنى من التحقيق.

أمّا الغالبية فما زالوا تحت الأرض وبين أنقاض المباني المدمرة بفعل الحروب والفقر والمرض والجهل.

وهذه الغالبية لم تبدأ قصة الحياة على ظهر الأرض بعد، وهي تمثل عوز الإنسان حسب هرم “ماسلو” والذي يتكون من خمسة مستويات من الاحتياجات البشرية هي بالترتيب: الحاجات الفيسيولوجية، السلامة والأمان، الحب والانتماء، الاحترام والتقدير، إدراك وتحقيق الذات.

ولن نزيد نظرية “ماسلو” هرماً أسفل حتى تغطي احتياجات إنسان العصر الحالي رغم تقدّمه وهي “احتياجات العوز” فليس هناك أدنى منه.

وحسب النظرية فإنّ فئة من البشر المغلوبين على أمرهم لم يحققوا حتى هذه الحاجات الدنيا وبذلك يكونون غير مؤهلين للصعود إلى أعلى الهرم، لأنّ الحاجات الملّحة تجرهم نحو الأسفل.

ولن ندخل في تفاصيل الأهرام الأخرى وأهمها في وقتنا الحاضر هرم الأمن والأمان الذي لن يتحقق في ظروف الحروب والنزاعات التي تضرب أجزاء من العالم، أعمقها أثراً تلك المتفجّرة في الوطن العربي.

عند النظر إلى اقتصاد بعض الدول المتعثرة لا نستطيع غض الطرف عن ملفات الفساد الكثيرة.

وهذه ملفات متجذّرة في تاريخ كل مجتمع يعاني من هذه الحالة.

لا أدري عند هذه النقطة بالذات تقفز إلى ذاكرتي قصة “علي بابا والأربعين حرامي”، وكنا نظنها أسطورة حاكتها عقلية بارعة لكتب الأطفال ولكن ما تم على الحدود التركية السورية ألقى الضوء على أصل القصة.

فقد تم العثور على كنز يتكون من عملات ذهبية يرجع إلى عهد السلاجقة والصفويين.

وأكد الباحثون أنّ هذه العملات هي الكنز الذي كان يجمعه من عرفوا بالأربعين حرامي في قصة “علي بابا والأربعين حرامي” الشهيرة.

عُثر على الكنز بعد قرون طويلة من انتهاء دولة السلاجقة، وبعد أن أخذت القصة حظها الأدبي تدويناً في حكايات “ألف ليلة وليلة”.

لألف ليلة وليلة أربعين حرامي، ولنا ما يزيد عن أضعاف هذا الرقم مما لا نستطيع إحصاءه.

الأربعون حرامي في قصة “علي بابا” خفيفو الظل، وأربعونا غلاظ شداد يحرسون خزائن المؤسسات العامة في العالم الثالث الذي بات عبئاً على إنسانه وعلى الكوكب.

على خلفية صراع “علي بابا” مع الأربعين حرامي نشأ الجدل الناتج عن التعاطف معه وهو ليس سوى حطّاب بسيط، فبالرغم من أنّه سرق أموالاً لا تخصه كما هي لا تخص اللصوص من قبله فيقابله الحكاؤون والمستمعون بالتعاطف الشديد الذي مهّد له ما وجده من ظلم أخيه “قاسم” الذي احتكر ثروته واستحوذ على كل ماله.

هذا التعاطف ما زال موجوداً مع “علي بابا” في كل زمان ومكان.

و”علي بابا” في تاريخه الشعبي كما في حاضره يجسد الشخص البسيط الذي يمر على الأثرياء الذين ملؤوا خزائنهم حتى فاضت، وكل ميزتهم أنّهم عرفوا كلمة السر “افتح يا سمسم” لتفتح لهم باب الثراء، وهي كل أدواتهم في عملية الكسب بينما غيرهم يكدون ويجتهدون ثم يحرض نموذج القصة للنظر في هذه الفوارق التي يخلقها علي بابا في كل زمان ومكان.