مكمكة الاقتصاد المكي!

في هذا الوادي غير ذي زرع عند يبت الله المحرم، منذ الأزل والناس فيه تعتمد ببركة هذا البيت في حياتها ومعيشتها على ما يسوقه إليها رب البيت من جيران هذا البيت بين الشام واليمن في رحلتي الشتاء والصيف، لم تنشأ فيه زراعة ولم تقم فيه صناعة، بل كان جل اقتصاده ودخله مما يقدمه من خدمات فكان اقتصاداً خدميا يعتمد على خدمة ضيوف البيت من حجاج ومعتمرين

في هذا الوادي غير ذي زرع عند يبت الله المحرم، منذ الأزل والناس فيه تعتمد ببركة هذا البيت في حياتها ومعيشتها على ما يسوقه إليها رب البيت من جيران هذا البيت بين الشام واليمن في رحلتي الشتاء والصيف، لم تنشأ فيه زراعة ولم تقم فيه صناعة، بل كان جل اقتصاده ودخله مما يقدمه من خدمات فكان اقتصاداً خدميا يعتمد على خدمة ضيوف البيت من حجاج ومعتمرين

الجمعة - 19 ديسمبر 2014

Fri - 19 Dec 2014

في هذا الوادي غير ذي زرع عند يبت الله المحرم، منذ الأزل والناس فيه تعتمد ببركة هذا البيت في حياتها ومعيشتها على ما يسوقه إليها رب البيت من جيران هذا البيت بين الشام واليمن في رحلتي الشتاء والصيف، لم تنشأ فيه زراعة ولم تقم فيه صناعة، بل كان جل اقتصاده ودخله مما يقدمه من خدمات فكان اقتصاداً خدميا يعتمد على خدمة ضيوف البيت من حجاج ومعتمرين.
واليوم ومع هذه المشاريع التطويرية الكبرى التي تقدر تكاليفها بعشرات المليارات أليس فيها حظ يضمن حياة كريمة لجيران البيت الكريم؟ أهل مكة لم يعدوا يوما من كبار الأثرياء ولا من صغار البليونيرات، لذا لم تكن لهم القدرة المالية على المناطحة مع حيتان مشاريع الاستثمار وغيلان الرأسمالية.
المحزن في الموضوع أن نرى كثيرا تلك المشاريع الاستثمارية تأتي بقضها وقضيضها من مقاولي التنفيذ إلى أصغر عمال النظافة من خارج مكة بل ومن خارج البلد، وكأن مكة تفتقر إلى الخبرات والمؤهلات، وكأن الدولة لم تنفق الميزانيات الطائلة على التعليم والتدريب.
عندما تناقش مسألة عدم الاستعانة باليد العاملة المكية في تشغيل وإدارة مشاريع الاستثمار الكبرى، عادة ما يخلص النقاش إلى المعزوفة المعهودة من عدم وجود التأهيل المناسب ناهيك عن عدم انتظام الشباب المكي في الوظائف التشغيلية بحثا عن وظائف أفضل، وبالتالي الاضطرار إلى الاستقدام كمصدر وحيد لتوفير العمالة.
طبعا هذا الكلام فيه كثير من الصحة مع الأسف، ولكن فيه من المغالطة أشياء، وهي مغالطة تطال قطاعات العمل ليس في مكة وحسب ولكن في كل مملكتنا الحبيبة طولا وعرضا، فغالبية بيئات العمل وخاصة الدنيا منها مصممة للعمالة المستقدمة بالدرجة الأولى وليس للعمالة الوطنية.
ونعود إلى مكة فنقول: إنه في ظل المشاريع التطويرية الكبرى، وفي ظل الاستثمارات العظمى، وفي بيئة مكة وخصوصيتها التي لا تشبهها خصوصية في هذا العالم، نحتاج إلى نظرة شمولية للاقتصاد المكي، نحتاج إلى التنادي لوضع محددات وضوابط اقتصاد لا تراعي جيوب المستثمرين فقط، ولكن تراعي المكيين فهم أولى بالمراعاة، وحسبك من سبب أنهم جيران بيت الله في أرضه، وأنهم وصاية المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه لسيدنا عتاب ابن أسيد أول وال على مكة ولاه النبي الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه.
مطلوب اقتصاد يطبق مفهوم التعارف والمنافع بين المسلمين «ليشهدوا منافع لهم».
مطلوب اقتصاد كما يقدم الخدمة، يبني اللحمة بين القاصد والحاج والمعتمر وبين أهل مكة.
ولن يبني هذا الاقتصاد الخبير الفلاني أو العلامة العلاني من جهابذة الاقتصاد فقط، ولكن يحتاج كذلك إلى مشاركة لصيقة وفعالة للمكيين فكما يقول المثل «أهل مكة أدرى بشعابها» وهم أدرى بخصوصية اقتصادها ومتطلبات قاصديها.
إن مكة كانت وما زالت ترحب بكل ما فيه خدمة وتطوير بيت الله وقاصدي بيت الله، ولكن ليس من العدل ولا من الإنصاف أن تعمل تلك الاستثمارات والمشاريع على استبعاد الذين هم دعوة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم».
ولا يغيب عن ذهن حصيف، أن الاعتماد على اليد العاملة المستقدمة في غالبية نواحي التشغيل والصيانة بجانب أنه يؤدي إلى زيادة عبء المشاكل الاجتماعية، إلا أنه كذلك يقلل من فرص استدامة تلك المشاريع وما تقدمه من خدمات لمن في مكة من الأهالي والقاصدين.
إن فتح باب الوظائف أمام المكيين لوظائف صممت أساسا لعمالة مستقدمة ولبيئات عمل لا تتماشى معهم ليس هو الحل، ولكن إعداد البيئة التي تناسب اليد العاملة المكية وتوظيف تعلقها بهذا الجوار العظيم، ووضع المحفزات لأرباب الاستثمار والأعمال للاستثمار في اليد العاملة المكية هو المطلوب وهو ما يحقق صفة الاستدامة لتلك المشاريع بحول الله في بيت الله.
الأمير السابق لمكة رفع شعار «بناء الإنسان و تنمية المكان» والغرفة التجارية بمكة رفعت شعار «التنمية المستدامة» ترى هل نرى لتلك الشعارات ترجمة على أرض الواقع، أم ستظل شعارات براقة لا تسمن ولا تغني من جوع!