عصافير الدوري شاعرية السينما الإيرانية المرهفة

كعادته، يمضي المخرج الإيراني العالمي مجيد مجيدي في فيلمه (أغنية عصافير الدوري/ The Song of Sparrows) بعيدا عن فضاء المدن المغلقة، وينقل المشاهد إلى فضاءات أكثر اتساعا ورحابة، حيث يصور فيلمه في الريف الإيراني الساحر، ويختار تلك البيئة الفقيرة التي تضم بيوت الفلاحين البسطاء المشبعة بروح إنسانية شفافة

كعادته، يمضي المخرج الإيراني العالمي مجيد مجيدي في فيلمه (أغنية عصافير الدوري/ The Song of Sparrows) بعيدا عن فضاء المدن المغلقة، وينقل المشاهد إلى فضاءات أكثر اتساعا ورحابة، حيث يصور فيلمه في الريف الإيراني الساحر، ويختار تلك البيئة الفقيرة التي تضم بيوت الفلاحين البسطاء المشبعة بروح إنسانية شفافة

الاحد - 16 نوفمبر 2014

Sun - 16 Nov 2014



كعادته، يمضي المخرج الإيراني العالمي مجيد مجيدي في فيلمه (أغنية عصافير الدوري/ The Song of Sparrows) بعيدا عن فضاء المدن المغلقة، وينقل المشاهد إلى فضاءات أكثر اتساعا ورحابة، حيث يصور فيلمه في الريف الإيراني الساحر، ويختار تلك البيئة الفقيرة التي تضم بيوت الفلاحين البسطاء المشبعة بروح إنسانية شفافة ..تبدأ القصة بالحدث الأهم: ضياع سماعة الطفلة الصماء «هنية» ابنة «كريم» في خزان الماء وهي تساعد أخاها «حسين» ورفاقه الأطفال الصغار في تنظيف الخزان لجعله حوضا يليق بتربية الأسماك والمتاجرة بها.

بذات اللغة السينمائية الرشيقة يدخل الفيلم إلى عالم من الحياة الفاتنة عبر مكونات طبيعة المكان الأخاذ والأصوات المتسربة من الطبيعة، بكل ما تحمله من حفيف الأعشاب وأصوات الحيوانات وهمس الرياح، وأيضا من رشقات موسيقية مختار بث توقيتها بكثير من العناية الفنية.

الفيلم يتخذ اسمه من عصافير الدوري التي تعشش في جدران خزان الماء الذي عمد الأطفال على تنظيفه، ويظهر عصفور جريح يهتم كريم برعايته داخل بيته بينما يحاول الخروج من النوافذ المغلقة للبيت.

يحكي الفيلم قصة عامل اسمه كريم (الممثل رضا ناجي) يعمل في مزرعة لتربية طيور النعام، ويعيش مع زوجته وأبنائه الثلاثة في بيت بسيط، حيث تبدع كاميرا مجيدي في التقاط جماليات هذه البراري لتجعل منها النقيض لصخب وازدحام المدينة.

يسير الفيلم في عدة مسارات متوازية: ضياع السماعة وتلفها.

هروب النعامة وفصل كريم من العمل .

انتقال كريم إلى طهران واشتغاله سائق تاكسي دراجة.

«أغنية عصافير الدوري» أنشودة عذبة تروي حكاية حب وتكاتف أفراد أسرة حنونة دون اللجوء إلى أية مباشرة أو فجاجة شعاراتية، كما يحدث في السينما العربية أحيانا كثيرة..وذلك ضمن لعبة فنية عالية المستوى ينجح المخرج في تقديمها، إذ تغوص عدسته في تفاصيل حيوات شخصياته، وتقتنص منها كل ما هو معبر وعميق وحقيقي.

‏وأيضا يبدو مجيد مجيدي وهو الأكثر انسجاما مع محرمات السينما الإيرانية، التي استطاعت أن تقدم أعمالا متحفية ضمن شروط قاسية تحدد الخيارات الدرامية بصرامة، وهو ـ مجيدي ـ يقدم نفسه أولا كفنان مؤمن بالقدر وبتعاليم الدين الإسلامي الظاهر منها والغيبي، بما ينسجم إلى حد بعيد مع الشروط والخطاب الروحي الذي يقارب الديني السائد المعبر عن إيمان عميق ونزعة صوفية أصيلة تركز على الأخلاقي والإنساني.

في كل ذلك يكشف مجيدي عن الهم الوجودي بعمقه وقسوته، وينحاز إلى شاعرية بصرية وبساطة أسلوبية متينة.

فهو يتقن سرد تفاصيل الواقع اليومي المعاش الذي يلامس الوجع ويسميه بوضوح من دون أن يمعن في استنزافه، ويبتعد في فيلمه هذا أو ما سبقه عن أي تنازلات في لغته السينمائية المكثفة والمدروسة بدقة.