بيئة مكة.. الواقع والحلم

 

 

الثلاثاء - 24 فبراير 2015

Tue - 24 Feb 2015



كتبت مسبقاً مقالاً (بصحيفة مكة) بعنوان: «النظافة.. ثقافة ومسؤولية مجتمع»، وكنت أشدد على أن الفرد هو من يتحمل مسؤولية النظافة في الشوارع والطرقات في المدن بعدم رمي المخلفات وأنه أهم محور في نظافة مدينته باحترامه للطريق أو المكان الذي يتواجد به سواء في المدرسة أو في الجامعة.. أو غيرها.. ولكن وصلتني رسائل متنوعة تظن أنني أحابي أمانة العاصمة المقدسة وبلدياتها في مسؤوليتهم الرئيسة في نظافة وسلامة البيئة، وطالبتني بإكمال الموضوع عن مسؤولية تلك الجهات.

والحقيقة أن الشوارع الرئيسية بمكة المكرمة - بعد تغيير شركة النظافة - قد أصبحت متألقة بنظافتها وذات طابع حضاري يشهد لها الكثير وتشكر عليها أمانة العاصمة المقدسة، ولكن مع ذلك تظل بعض الطرقات الداخلية والحواري دون المستوى المطلوب من نواح متعددة..

وقد وصلتني نكتة وجهت على شكل سؤال: «مين يعرف رقم البلدية؟ لقيت طريق ما فيه حفريات قلت أذكرهم .. يمكن ناسينه ». طبعاً هذه النكتة ليست إلا أسلوب تنفيس عن نقد لظاهرة اجتماعية تمس حياة الناس وتتسبب في إشكالات كثيرة فتأتي النكت تعبيراً عن إحباطات أو رغبات أو آمال لتحقيق هدف معين.

والحقيقة التي لا غبار عليها أن مشكلات البيئة هي من أكثر الموضوعات التي لا بد من أخذها في الاعتبار لتوفير أهم الاحتياجات الإنسانية وهو الأمن الصحي النفسي والجسدي. وقد أصبحت بعض المشاوير للذهاب للعمل أو غيره - في هذه الأيام وفي مدننا الكبرى التي تضج بالمشاريع - حملاً ثقيلاً يكره الإنسان فيه نفسه عند الخروج فلا يصل للمكان الذي يريده إلا بعد أن تصل درجة التوتر لديه إلى خط أحمر ويرتفع مستوى السكر وضغط الدم لديه إلى معدلات الخطر..

وأما الطرقات في الحواري - وخاصة في الأحياء الشعبية - فحدث ولا حرج ؛ فالنفايات ما زالت تتوج جوانب الطرقات، والحاويات تفيض بخيراتها ولا تجد من يفرغها؛ فعمال النظافة مشغولون بتوفير لقمة العيش.

وأما الطرقات نفسها فهي متآكلة ومتهالكة تنخرها الحفر والمطبات، التي توقع السيارات في شباكها وتسبب لها العطل والتلف وربما يخسر الفرد في ورش السيارات آلاف الريالات للتلفيات في الماكينة والأذرع والعجلات وغيرها.

بل إن تسرب مياه الغسيل العشوائي للسيارات من مخالفي الإقامة وكذلك الصرف الصحي في بعض الأحياء والطرقات يشعرك بالغثيان.. وكذلك انتشار المياه الآسنة - في تلك الحفر والمطبات - والتي تثير شهية ناموس الضنك للفتك بكل ذي لحم ودم .. وإذا لم يصدق أحد قولي فليذهب إلى أحد الأحياء مثلاً: آخر شارع منصور في مكة المكرمة قبل الخط الدائري عند محطة الخياط ويدخل ذلك الطريق ليرى بأم عينه حقيقة مأساة قائمة منذ عشرات السنين تزداد سوءاً عاماً بعد عام، هذا بالرغم من ظهور المباني الحديثة في الحي، ولكن يبدو أنه ليس هناك شخصية مهمة تسكن ذلك الحي التعيس وإلا لكان الوضع مختلفا تماماً وقد تقدم الأهالي بشكاوى لفرع البلدية، وكانت هناك وعود بإصلاح الوضع ولكن لا يعدو الأمر كونه (حبرا على ورق) . والمشكلة الأدهى في هكذا أوضاع هي: أن الجهات الخدمية تتقاذف المسؤولية، فأمانة العاصمة تلقي بالمسؤولية على شركة المياه الوطنية، التي تنفي بدورها مسؤوليتها عن تسرب مياه الصرف الصحي، وأنها مسؤولية الأمانة.. وما بين رمي الكرة بين الجهتين يبقى المواطن ولسنين طويلة يعاني الانهزامية والخدمات المتردية والمشكلات الصحية.

كم نتمنى أن نعيش في أحضان مدينة.. ليست مدينة الأحلام.. ولكنها مدينة حقوق المواطن: شوارع نظيفة.. حدائق عامة تكون متنفساً لكبار السن والعجزة.. ملاه للأطفال.. وممشى للرياضة والترويح.. مساحات خضراء تمدنا بالأكسجين الذي هو أكسير الحياة.. فهل تبقى هذه الحقوق مجرد أحلام أم ستجد يوماً طريقها إلى الواقع؟.