عودة إلى الدار

الجمعة - 02 فبراير 2018

Fri - 02 Feb 2018

وجدت نفسي واقفا عند بابها، وكأن شيئا لم يتغير سوى الزمان، ربما بعض الأسماء، إلا أنني لم أعد أنظر إليها رافعا رأسي، لا لكبر دخل في نفسي، ربما لأني كنت أرى مبانيها شاهقة كما كنا نرى كل شيء في الطفولة، وربما لأنني كبرت جسدا وما زال بداخلي طفل يردد منذ عقدين: «لا تكبر إنه فخ»، ووجدتني أمشي في دهاليز مدرسة الطفولة متسائلا: هل ما زالت تلك الردهات تنعم بالصمت وقت الدروس وتضج بأصداء الأطفال بين الحصص؟

كانت هناك لائحة تحذيرية لمن يعبث بجرس الإنذار، كانت الغرامة في وقتنا «500» وغدت اليوم»2000»، إنها أمور اقتصادية بحتة. السماء هنا ما تزال صافية، وما زالت تلك المباني الفارهة واقفة بشموخ تقول إن وسط جدة ها هنا، وإن نزح أهل جدة إلى الشمال في موسم هجرتهم الدائمة إلى ذاك الاتجاه!

هل ما زال الشيخ «هشام زينل علي رضا» يتعامل مع هذه العملية التربوية كصرح وقفي لا يبتغي منه أجرا كما فعل أسلافه في الحجاز قديما؟ وعرفت من زميل سابق ومدير حالي أن الصرح ما زال على النهج يسير.

النوافذ والمناضد والمقاعد ألمانية، تجلس عليها عقول وطنية استقت العلم في وقتها من مصر، الأردن، وحتى من بلاد العم سام لتبقى «دارا للفكر» وشعلة متقدة. نفس أخشاب «الپاركيه» التي كنا نركض عليها في الباحة المتوسطة في وقت فسحتنا، هل ما زال هناك إخلاص في تشييد المباني في أرجاء الوطن؟

وكأني ما زلت أسمع صوت الأستاذ «علي» مشرف المطعم وهو يردد باسما في وجبة الغداء: «أجبلكم فرخة كلها صدور منين!؟»

رحل كثيرون إلى الذاكرة، ووجدت الأستاذ ضياء ما زال مضيئا، والأستاذ عماد عمادا لقسم الإخراج والتصوير؛ ووقعت عنده على مسرحية شاركت فيها في طفولتي بدور جابي المحكمة!

ولما التقيت المربي محمود أبو عقيل عانقته فاحتضنني بحضن أبوي أحتاجه في سني هذه وسط غابة الحياة، فهل شكوت له صمتا فراق أبي؟

ضميته ملء صدري.. إنه وطني

يبقى اشتياقي وذوبي الآن يا كبدي

يسعد صباحك يا عمي أتعرفني؟

فيك اعتنقت أنا قبلت منك يدي

رأيت فيك «دفعتي» كلها اجتمعت

كيف التقى «البضع والعشرون» في جسد؟

وتذكرت كيف كان يمازحنا لنتذكر قانونا في الكيمياء: «حضنتك»: حجم × ضغط = ناتج/ كمية

عذرا أستاذ أبو عقيل نسيت ترتيب المعادلة إلا أني أذكر أنها «حضنتك».

الأكثر قراءة