مرزوق تنباك

الشيبان الشهبان اللهبان

الثلاثاء - 30 يناير 2018

Tue - 30 Jan 2018

أصبح تويتر يبرز قضايا رأي عام اجتماعية وغيرها ويثيرها ويكون هو الخصم والحكم فيها، وهذا حسن أن تكون عندنا هذه المساحة الواسعة من الآراء والمشاركات الاجتماعية والتوسع في ممارسات التعبير عن كل ما يخطر علينا من آراء ومن أقوال وحتى أعمال. وتويتر وأخواته هو الذي وسع دائرة الرأي بيننا والمناقشات والمجادلات، فأصبحنا نعبر عما نرى ونقترح ما نريد، وننقد هذا التصرف أو ذاك، يجرم الناس عملا أو قولا أو سلوكا، ويعلنون رفضهم له أو قبولهم أيضا، وعلى ذمة قالوا: فإن السعوديين أكثر العالم تعاملا بوسائل الاتصالات الحديثة، ولن نعلل لماذا كانوا كذلك وإن كان تعليله سهلا. والتعبير عن الرأي حق مقدس في كل الشرائع والأنظمة والقوانين المعتبرة، الرأي الحر الذي يعتقده الإنسان ويعرضه ويوضح أسبابه محترم ومقبول ما دام ملتزما بشروط الحرية وآدابها، ومن حق الإنسان كفرد ضمن المجتمع أن يكون له رأي مهما كان شأنه، ولكن لا يترتب على الرأي العام حكم يمنع حقوق الآخرين وواجباتهم، أو ما يسبب الضرر لهم، وإنما هو مساحة للعرض وليس الإلزام، ولا يسوغ الحكم على الغائب تحت طائلة الرأي العام وسلطته، ولا الحكم بالنفع أو الضر أو السماح أو المنع.

الحقوق مكانها دوائر القضاء التي تقرر وتقدر الخطأ أو الصواب وتعرف الحدود الفاصلة فيما ينكره الرأي العام أو يقبله، وكذلك الحكم الذي يترتب على حرية الرأي. في هذا الأسبوع حدثت حالات أثارت الرأي العام، قدح شرارتها المغردون، وبلغت كل واحدة منها الترند، وترتب على كل منها حكم لم يعرض على القضاء ولا نظر في محكمة.

الأولى أم نايف البائعة التي انطلقت على سجيتها دون تحفظ وتكلمت مع صديقاتها وخاطبت الزبون القادم إليها الذي لا يعرف ما تقول. وما قالت لا يخدش حياء ولا يجرح شعورا بل هو الكلام المعتاد في مثل موقفها متعاملة في الهواء الطلق، لا تخفي شيئا ولا تقترب من ريبة، ورغم أنها لم تر بأسا بأن تبدي ضجرها من الشيبان الشهبان اللهبان كما قالت، فقد عبرت عن نفسها ولم تحسب حساب المترصدين والناقمين وقد يكون من صورها ورفع أمرها هو أحد الشيبان الشهبان اللهبان الذين قالت إنها لم تر في حياتها غيرهم، غضبا منها وانتصارا لنفسه لا انتصارا للآداب العامة. ما قالت هذه المرأة لم يخرج عن المألوف بل أضحك الناس جميعا وأضاف متعة وتسلية بالكلمات المتتابعات (الشيبان الشهبان اللهبان)، ولكن السؤال لماذا منعت من عرض بضاعتها وأغلق محلها وحرمت من ممارسة نشاطها، وما القانون الذي طبق عليها وأخذت به؟. هذا سؤال مهم جدا في قضية الرأي العام، واحترام الخصوصية الذاتية، واعتراض المنفعة بضدها دون حكم لها أو عليها. من حسن حظ أم نايف أن كلماتها التي انطلقت بعفوية وبلا عقال وصلت إلى كل القلوب، ولا مست عواطف الناس فانطلقت سواعدهم وأقلامهم وهبوا لعونها والوقوف بجانبها وبلغ التعاطف معها ورد اعتبارها سريعا عوضها بعض ما خسرته من تجارتها.

حين أسرع المغردون يردون على الموقف الذي افتعل وانفعل ويحققون مبدأ الرأي العام الموضوعي والحيادي. يحترم الناس الرأي العام ويقدرونه ولكنه يبقى رأيا وليس حكما على الناس ولا عقابا لهم، ذلك مكانه القضاء وليست الأهواء وحسبهم وكفى.

Mtenback@