قضاء التنفيذ وإعادة هيبة القضاء

 

 

الجمعة - 31 أكتوبر 2014

Fri - 31 Oct 2014



قبل تفعيل اللائحة التنفيذية لنظام الحجز والتنفيذ، وتخصيص قضاة تنفيذ يتولون متابعة تنفيذ الأحكام القضائية التي اكتسبت الصفة القطعية، كان الحصول على الحقوق المالية وغير المالية صعباً إن لم يكن مستحيلاً، في ظل مماطلة بعض من صدرت بحقه أحكام قضائية رغم قدرتهم على الوفاء بها، وغياب الجهة التي تتولى متابعة تلك الأحكام، ووضعها موضع التنفيذ.

وكان إطالة أمد تنفيذ الأحكام القضائية التي اكتسبت الصفة القطعية يفقدها قيمتها الحقيقية، ويؤثر على هيبة القضاء، وكانت الأحكام القضائية رغم إلزاميتها مجرد صكوك تُصدر لا تحمي، ولا تعيد الحقوق إلى أصحابها، لأن قيمة القضاء تقترن بشكل مباشر باحترام أحكامه، ووجوب تنفيذها.

ومع بدء وزارة العدل في تنفيذ الأحكام بالقوة الجبرية اعتماداً على اللائحة التنفيذية لنظام الحجز والتنفيذ التي أصدرتها الوزارة، والتي منحت قضاة التنفيذ صلاحية سحب الأرصدة، والحجز على أموال المدين الذي لديه أملاك عقارية عادت الهيبة إلى القضاء العام، وأصبحت أحكامه المؤيدة فيما يتعلق بالقضايا المالية فورية التنفيذ، بعد سنين من المماطلة والتهرب واللامبالاة التي حرمت أصحاب الحقوق حقوقهم.

وكانت اللائحة واضحة وصريحة لا تحتمل اللبس والغموض، أو التفسير والتأويل، ومُلبية لحاجة فعلية تتطلبها للواقع المعاش سواء كان على مستوى الأفراد أو الأعمال، ولأنها منحت قضاة التنفيذ صلاحيات واسعة تضمن تنفيذ الأحكام القضائية، كانت النتائج إيجابية وفاعلة، من هذه الصلاحيات التي كانت محل قوة في ضمان تنفيذ الأحكام وإعادة الحقوق إلى أصحابها: منح القاضي حق الإعلان عن حراج وبيع أملاك المدين في حال رفض تسديد ما عليه من حقوق وديون، وحق إصدار أمره بالحجز على أموال المدين والاستعلام عن العقارات، وكشف الحسابات المصرفية في المصارف وكذلك الأسهم وغيرها، ولم تترك اللائحة في هذه الحقوق مجالا للتفسير أو الاستثناءات، كما منحت قاضي التنفيذ حق الأمر بالإفصاح عن أموال المدين بمقدار ما يفي بالسند التنفيذي، ويصدر الأمر بالإفصاح والحجز بعد إبلاغ المدين بأمر التنفيذ ومع ذلك إذا ظهر لقاضي التنفيذ أن المدين مماطل من واقع سجله الائتماني أو من قرائن الحال جاز له الأمر بالإفصاح عن أمواله وحجزها قبل إبلاغه بأمر التنفيذ، إضافة إلى منحه صلاحية إصدار أمره لجميع الجهات المختصة أو المشرفة على تسجيل الأموال وعلى المدين ومحاسبه وموظفيه الإفصاح عن أصول المدين بناء على أمر قاضي التنفيذ خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ إبلاغ تلك الجهات.

وهذه الإجراءات ساعدت 297 قاضياً تنفيذياً يعملون في كافة المناطق والمحافظات في تنفيذ أحكام حقوقية متعثرة تبلغ قيمتها 30 مليار ريال، وتمكنوا من إنهاء 65% من الديون المعطلة بسبب مماطلة وتهرب المدانين من السداد، وفي مدينة الرياض وحدها تشير بيانات وزارة العدل أن عدد القرارات التي أصدرها قضاة التنفيذ بعشرات آلاف القرارات، كما استطاع قضاة التنفيذ من إلزام بنك حديث بدفع مبلغ 103 ملايين ريال لصالح شركة خاصة، وإلزام شركة استثمارية بدفع 105 ملايين أتعاب محاماة، وهذا كله يكشف حجم المعاناة والخسائر التي كان يتكبدها أصحاب الحقوق من أجل الحصول عليها، وأن قضاء التنفيذ رغم التأخر في تطبيقه كان هو الحل للقضاء على هذه المماطلات.

ومع بداية هذا الأسبوع أكملت وزارة العدل إصلاح قضاء التنفيذ باكتمال عملية الرابط الالكتروني مع مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» الأسبوع الماضي، وبالتالي أصبحت عملية حجز الأموال في حال صدور حكم قضائي لا تستغرق خمس دقائق فقط، وفقاً لتصريح وكيل وزارة العدل لشؤون الحجز والتنفيذ الشيخ خالد الداود (الذي نقلته صحيفة الرياض)، وأن الوزارة استغنت تماماً عن المخاطبات الورقية، وأن التواصل الالكتروني مع مؤسسة النقد هو الآلية التي ستنتهجها الوزارة للحجز والإفصاح عن الأموال وأرصدة المدين، وستقوم مؤسسة النقد بتقديم البيانات المتعلقة بالإفصاح عن أموال وأرصدة المدين في جميع البنوك والحجز على المبالغ التي تفي بالمبلغ المشار إليه في السند التنفيذي، وتحويله إلى حسابات محاكم ودوائر التنفيذ لتسليمه لصاحب الحق وهو طالب التنفيذ وأن هذه العملية لا تستغرق أكثر من 48 ساعة كحد أقصى.

السؤال الأهم في هذا السياق، إذا كان التكامل والتنسيق والتعاون بين الجهات الحكومية بهذه السهولة والبساطة، ويُمكن من القضاء على السلبيات التي نعيشها يومياً، وتؤثر على الأفراد والكيانات المالية والاقتصادية بشكل كبير، ما الذي يمنع الجهات الحكومية من التكامل والتعاون بينها، هل هو تضارب المصالح بين تلك الجهات، أم وراء الأكمة ما وراءها؟ أم علينا أن ننتظر حتى تكبر المشاكل وتستفحل حتى نبحث عن آلية تكامل ثنائية أخرى لحل هذه المشاكل.