تأملات في معلقة زهير

الجمعة - 19 يناير 2018

Fri - 19 Jan 2018

الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى المزني شاعر حكيم بل مليء بالحكمة، ويقال هو من «المألهين» أي الذين كانوا يبحثون عن الإله الحق، وأنه لم يكن يعبد الأصنام كما هو شأن الجاهليين الذين عاشوا ما بين رسالة المسيح عيسى عليه السلام وبين بعثة سيد الخلق أجمعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. لذلك يقول «فلا تكتمن الله ما في نفوسكم.. ليخفى ومهما يكتم الله يعلم.. يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر.. ليوم الحساب أو يعجل فينقم».

ولقد توقفت كثيرا أتأمل قوله:

سئمت تكاليف الحياة ومن يعيش

ثمانين حولا لا أبا لك يسأم

وبما أنني لم أصل إلى الثمانين بعد لم أستطع أن أستوعب ملله وسأمه من طول العمر، ولكن عندما استحضرت الآية الكريمة (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون) علمت أن عمر الثمانين صعب على الإنسان، ولكن ماذا لو امتد العمر إلى الثمانين بالتقوى والوعي الكامل للإنسان فيه واتخاذ عبادة الله مركبا وسفينة يعبر الشخص بها هذه المرحلة العمرية إلى الدار الآخرة بكل وعيه وحضور عقله، هنا لا يمكن أن ينتاب الإنسان السأم لأن الاشتغال بعبادة الله يورث الإنسان الطمأنينة والسكينة والسلام.

وتأملت كذلك قوله :

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم

وأيضا لأنه لم تكن لديه رؤية إسلامية تخبره أن لكل أجل كتابا، وأن الموت لا يمكن أن يخبط خبط عشواء بل كله بأجل مسمى قد كتبه الله على المخلوقات بدقة متناهية، فإن الرزق والنفس والخطوة والكلمة وكل ما يأتيه الإنسان في حياته قد قدره الله سبحانه وتعالى له وكل شيء موزون بحكمة أدق من ميزان الذهب وقدر محتوم، إذن لا يخبط الموت خبط عشواء وإن لم يصب أحدنا اليوم فلأن الأجل لم يحن بعد، ولو أدرك زهير الإسلام لقرأ قوله تعالى (وما نؤخره إلا لأجل معدود) وأيضا (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون)، وكيف يكون خبط عشواء وهناك رسل تنزل بالآجال والأرزاق، ولا نلوم زهير لأنه لم يدرك الوحي وكان باحثا عن المعقول من الأمور لما آتاه الله من الحكمة ورجاحة العقل، وهو الذي كان يسير بين القبائل كحمامة السلام محذرا من الحرب، وقد قال في هذا المقام :

وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم

وما هو عنها بالحديث المرجم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

وتضر إذا ضريتموها فتضرم

وقصته مشهورة مع هرم ابن سنان وتحمله ديات قتلى الحروب التي نشبت بين بعض القبائل.

وحقيقة نحن نحتاج في زمننا هذا لأكثر من زهير، أو على الأقل لمثل زهير بن أبي سلمى المزني في زمن تكاد الحكمة فيه أن تضيع وتحكم الانتهازيين وأصحاب المصالح ولو على حساب دماء البشر.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال