الأحمق والسكران

أم الخبائث تفصل العقل عن اللسان والجوارح، فتجعل صاحبها كالبهيمة. وربما يفاجئك من لم يغيب عقله شيء من خارجه، حين تقابل من يتلقط التعليق والخبر والصوت، يلملم المنظر والموقف والحادثة ويخرج سمينه وغثه وحسنه وقبيحه مختلطا من لسانه وقسماته وحركاته بلا مناسبة، كما ينعكس الصدى من الهوة، متطبعا بنبرة هذا وهيئة ذاك وأفعال أولئك، تراه يسرع بالكلام في غير مقام، يزيد في القليل ويبتر من الكثير، يهذر ويحاكي بأحكامه وآرائه كيفما اتفق، يضحك ويخاصم معا، يزكي بلا حجة ويتهم بلا دليل، فيصادق ويعادي بلا سبب. فاقد الوعي عده عبدالرحمن ابن الجوزي فيمن ذكرهم في كتاب «أخبار الحمقى والمغفلين» بكثرة اللغط وغرابة الأفعال وسرعة الهياج واستعصاء استجابته لعاقل.

الحمق زبد الذات التي انفصل عقلها بقلة الوعي. الأحمق يؤكد باطلا وينفي حقا، وإن حاباه من حوله كانوا كأقران مدمن الخمر، عليهم تبعة إغرائه ليتمادى فيما يؤذيه وغيره، ويحصل ذلك في حياتنا أكثر كثيرا مما نظن أو مما نريد أن نعرف، نلدغ مرات ونعود للجحر ذاته، مستسلمين لطوفان عواطفنا حتى نستعذب الحمق دون أن نشعر ونغرق في قلق دائم. وقد قيل: إياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. الأحمق طائش كالسكران، ليس تهوينا من قذارة الخمر وحرمتها معاذ الله، إنما هو بيان مصيبة الأحمق ومن يلتصق به ويشركه في أسباب حياته. والحمق يأتي من ثغرات تربوية ومن جهل ومن إمعية ومن فراغ ومن بطر الحق.

خالقنا جل شأنه استخلفنا وكرمنا، واستهل دستوره بأمر لا يكون لأحدنا بدونه قيمة، مهما ظن ومهما بلغ سنه وماله، ذلك الأمر هو «اقرأ»، وأكد بعده مرارا على التعلم والتعقل والتدبر والتفكر.