محمد عبدالكريم المطيري

فضيلة لا أعلم

الأربعاء - 08 نوفمبر 2017

Wed - 08 Nov 2017

لا يوجد من لا يعرف المقولة الشهيرة «من قال لا أعلم فقد أفتى»، ومع ذلك لا تكاد تجد من قال لا أعلم حين لم يعلم.

وحين يقر أحدهم بعدم علمه يعود ليستدرك بعدها؛ ليعلق لمجرد التعليق بمعلومات لا تمت بصلة لما يتم النقاش حوله بسبب أنه لا يريد أن يعرف بأنه صمت وبأنه لا يعلم.

وهذا هو الإشكال الحقيقي لأن النقاشات لدينا استعراضية وليست علمية، بل ولا تبحث في الغالب عن الفائدة أو الحقيقة، وأقرب ما تكون إلى أنها مجرد تسلية غرضها تسهيل مرور الوقت، يسعى خلاله المتناقشون لإحراج بعضهم، حتى يثبت أن أحدهم أجهل من الآخر بحجة أو دون حجة، ولم يعلموا أنهم بذلك يضعون أنفسهم جميعا في زمرة القوم الجاهلين.

حين يصر الشخص على إنكار عدم معرفته بأمر ما فإنه يعطل لديه حاسة السمع ويضعف لديه التركيز والاهتمام، فلا يسمع ولا ينصت، ليضع بذلك سدا منيعا من العناد والتعالي يعيق ويمنع معالجة المعلومات والمعرفة الجديدة. نقاشاتنا أو بالأحرى مجادلتنا مع بعضنا بعضا هي أقرب ما تكون لمعركة كلامية لا بد فيها من منتصر وخاسر، والانتصار تحدده الحجة اللفظية البلاغية ـ التي ليست بالضرورة منطقية - ويحدده الأعلى صوتا.

وحين يتدخل المنطق كحجة فاصلة يخلق لدينا إشكالية أخرى وهي أن الفكرة وإن بدت منطقية لصاحبها فهي ليست بالضرورة صحيحة، لأن خلق الحجج وبناء المنطق يعتمد على معلومات وحقائق قد لا تكون موجودة أو قد تكون مغلوطة مما يؤدي إلى نتيجة خاطئة وغير مبررة.

قال أحدهم فيما مضى ما جادلني عالم إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني، وهذا يدل على أن النقاش مع الجاهل نوع من الجدل السقيم الذي يدور في حلقات فارغة بلا نتيجة واضحة ولا فائدة مستقاة، وذلك لأنه لا يقر بجهله ويدافع عن جهله بحجج واهية قائمة على الصراخ، تتعدى في عديد من الأحيان حدود موضوع النقاش لذات الشخص وهيئته ونسبه وسحنته ولونه، والسبب الرئيسي في هذا كله أنه لم يقل لا أعلم حين لم يعلم.

المعرفة الجاهزة وعصر سرعة ووفرة المعلومات خلقت آراء متناثرة في فضاء وسائل الاتصال الاجتماعي تنتظر من يتلقفها ويتبناها بلا تعب ولا بناء وبلا فهم ووعي، هذا بدوره أدى إلى بناء قشور معرفية تكسر وتتعرى أمام أقل محاولة للنقاش من شخص أكثر إلماما ومعرفة.

أخيرا، لا بد لنا أن نعلم بأن الجزء الأهم لحل أي مشكلة هو الإقرار بوجودها في المقام الأول، فبوابة المعرفة تفتح للمتواضعين وتوصد بابها أمام كل متعال عليها.

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال